لا شك أن ما آلت إليه ظروف الصحافة ومجال الإعلام في مصر، يحتاج إلى قصائد رثاء لحال المهنة، وأبيات ذمّ وهجاء قد لا تكفي كل من أسهم في تردِّي وضع «الميديا».
البحث عن “الترافيك” وجذب القارئ وتضليله خصوصًا في المواقع الإلكترونية، مسح كل قواعد المهنة وغيَّر مواثيق شرفها، من حلف اليمين على الصدق والاهتمام بالقارئ، إلى زيادة أعداد اللايك والمشاهدة، مع تحمُّل كل أنواع «الشتائم» من كتائب السوشيال.
صنعنا لأنفسنا في وسائل إعلامنا 5 عناوين على الأقل كفيلة بتدمير المهنة وقواعدها، وإن منحتنا عددًا كبيرًا من الزائرين، إلا أن استمرار الأعداد لن يطول كثيرًا.
(1)
بدء العنوان بهذه الكلمة قد يجذب البعض للمرة الأولى، ويدخل آلاف إلى الخبر، إلا أن المرة الثانية، وبناء على ضلال الأولى، السبّ والشتم للموقع وكاتب الخبر هو الدافع الوحيد لدخول القارئ على مثل هذه الأخبار مجددًا.
مثال: تعرف على حقيقة زواج فلان وفلانة…
(2)
كأنك إن لم تشاهد هذه الصور والمقاطع فلن تستمر حياتك، كما أن مثل هذا العنوان بمثابة اختبار وتَبَارٍ للقارئ على اختيار عنوان مناسب، لعلك خرجت بهذا من المشاهدة إلى التفكير في عنوان مناسب.
مثال: شاهد آخر صورة لسعيد طرابيك قبل وفاته.. وفيديو فضيحة لهيفاء وهبي
(3)
انتقلت بهذا العنوان من مرحلة القارئ إلى «الكوبري»؛ عليك أن تقرأ ما قاله فلان، وتنشره على صفحتك أو تحتفظ به في ذهنك، ثم تقرأ ردّ فلان، حتى تنقله للرد الأول، دون إفادة في العنوان ولو بجملة واحدة، كرد على النزاعات بين شخصين على الأقل يشغلان بال المجتمع والرأي العام، في قضية هي محكى المقاهي.
مثال: ماذا قال يسري فودة لريهام سعيد؟
(4)
هنا ضيّع الصحفي دوره في البحث والتحرِّي والتدقيق في قضية ما، بعنوان لم يذكر فيه على الأقل الجزء الأهم لأكبر شريحة مهتمة بهذه القضية، وتناسى أيضًا أنه لا توجد قضية كاملة من زاوية واحدة.
مثال: نكشف تفاصيل زيارة الرئيس لفرنسا
(5)
أما العنوان الخامس، فله عديد من الاحتمالات، أولها أن يكون الصحفي قد نصَّب نفسه وصيًّا لإذاعة أسرار أشخاص لا يرغبون في ذلك، أو أن يكون اعتبر كشف الأسرار “الشخصية” من دوره وحق القارئ عليه، فلا فرق بين صحفي ينشر أخبارًا شخصية رغم رفض أصحابها، أو من يُطلِع الناس على خصوصيات البشر.
الخلاصة.. لماذا لا يكون تناولنا للعناوين في الأخبار على قدر اهتمام القارئ بالموضوعات؟ فلا نجاح لصحافة تُبنَى على عناوين تشويقية، ولا قائمة للمهنة بجملة «بلاش العناوين المُشبعة للقارئ».
زميلي صاحب هذه الأفكار الهدامة، اعلم أنه لكل حدث عنوان، ولكل خبر قارئ وفئة، ومؤكَّد توجد فئات وقراء يهمهم كل المحتوى «عنوانًا ومضمونًا»، فالعنوان في مرحلة من المراحل تدخل فيه خاصية إجبار القارئ على دخول الخبر، دون إثارة أو كلمات خارجة، لكن ذلك لا بد أن ينتج عن فكرة اهتمامه القارئ بالموضوع نفسه وانشغاله به.