إعلام.أورج
حصل مقال “الإعلام القبطي يسقط في مستنقع السياسة” للكاتب “كيرلس عبد الملاك شحاته” على المركز الثالث في مسابقة إعلام.أورج لأفضل مقال في مجال الميديا لعام 2015، وسيعلن الموقع غداً عن عنوان المقال الفائز بالمركز الثاني .
كيرلس عبد الملاك شحاته يكتب : الإعلام القبطي يسقط في مستنقع السياسة
عندما بدأت القنوات الفضائية القبطية في البث على القمر الصناعي المصري “نايل سات” الواحدة تلو الأخرى، كانت تتسم بالنقاء، وتتسربل بحس روحي عالي، تُشعر المسيحيين المشاهدين لها أنهم قد دخلوا لتوهم إلى كنيسة تفوح داخلها رائحة البخور، وتتخذ الأيقونات ذات الصفاء والوقار مكانًا مميزًا فيها، تشعرهم برهبة المكان الروحاني حيث يسكن الله تبارك اسمه، أما الآن فالحال قد تغير بالنسبة لهذه القنوات المعروفة فيما يخص المواد الإعلامية المعروضة على شاشاتها حيث استطاعت السياسة أن تجد مكانًا داخلها، عدا قناة قبطية واحدة أفتخر بها دائمًا وأمدحها كثيرًا في قلبي لأنها استطاعت أن تواجه هذا التحدي في ظل التسابق الإعلامي القبطي نحو الانفتاح السياسي على المجتمع المصري.
إذا نظرنا بعين فاحصة إلى هذا الخلل الإعلامي، نجد أن هدف هذه الفضائيات الديني والروحي النقي قد تشوش ربما بفعل عوامل نفسية لملاك هذه القنوات والعاملين بها باعتبارهم أقباط طالما شعروا بالحرمان السياسي على مر العصور السابقة، وهذا ليس وليد عقدة الاضطهاد كما يعتقد البعض، لأنه بالفعل قد تعرض المسيحيون خلال سنوات عديدة سابقة بل ومازالوا يتعرضون إلى العصبية والقبلية في مواجهة تواجدهم السياسي والإعلامي على حد سواء ما دفعهم إلى العزلة والانغلاق لكي يعيشوا حياتهم وهم يمارسون شعائرهم في سلام، لكن على أي الأحوال هذا ليس كفيلاً بأن يتحول الإعلام المسيحي إلى منبر غير ديني، لأنه بذلك سوف يفقد المشاهد الأصلي له على كلا المديين القصير والطويل، مما سيجعله عرضة للتوقف النهائي لانحرافه عن هدفه الأصيل.
خلط الدين بالسياسة ليس منهجًا جديدًا للقنوات المصرية بشكل عام، فيكفي أن التليفزيون المصري الرسمي عوّد مشاهديه على هذا النوع من الإعلام المحبب إلى قلب الكثيرين ممن يؤمنون بأن الدين سماء ودنيا، دين ودولة، نقاء وسياسة، وفي منهجه هذا لم يراع سمو الدين أو زوال الدنيا، كلاهما وُضعا على مائدة واحدة ما جعل المشاهد المصري مشتتًا لا يعلم كيف يسير وإلى أي مكان يذهب، هذه الخلطة المصرية الخالصة جعلت المشاهد القبطي يرى في قنواته المسيحية بمنهجها الجديد المنفتح على الأحوال السياسية نموذجية مصرية، لما وجده فيها من صورة مشابهة لما اعتاد على مشاهدته في قنوات التليفزيون المصري منذ طفولته، لكنه سرعان ما سيدرك هذا التشوش والخلط العشوائي الذي سيؤدي حتمًا بمرور الوقت إلى فقدان المصداقية الروحية والدينية إذا جاز التعبير.
لعل هذا الطرح يأخذنا إلى مناقشة مدى إمكانية فصل الإعلام المسيحي “القبطي” عن التوجهات السياسية للأقباط باعتبارهم مواطنين مصريين لهم كل الحقوق وعليهم كل الواجبات بغض النظر عن أقليتهم العددية في موطنهم، خاصة في ظل ما مروا به من عزلة سياسية آثارها تبدو واضحة إلى الآن على السطح الإعلامي والسياسي، فإذا كان وضع السياسة مع الدين في الإعلام القبطي يمثل خطرًا إعلاميًا فبالتأكيد سيمثل إنشاء الأقباط لقنوات مستقلة تعرض توجهاتهم السياسية خطرًا وطنيًا ومجتمعيًا، لأنها سوف تفصلهم دون دراية عن المجتمع المصري بكل فصائله، هذا يعني أن الإعلام المصري برمته يحتاج بعضًا من المراجعة والتدارس حول إمكانية مناقشة هموم الأقباط واحتياجاتهم بطريقة دورية لإشباع الحاجات النفسية والسياسية والمجتمعية لديهم، دون داعي لاستخدام الشعارات الرنانة المحفوظة الداعية إلى الوطنية والمواطنة التي تخرج من أدراج الإعلاميين كلما يتعرض الوطن إلى نكبات طائفية، اعتدنا على طفوها على السطح بين الحين والآخر.
التواجد القبطي على شاشات القنوات المصرية في مقدمتها تليفزيون الدولة يحمي الوطن من الأخطار الناتجة عن الاستقلال الإعلامي للأقباط، ومن ثم يساهم بشكل مباشر في الحفاظ على قيم المواطنة، والمساواة، هنا يستطيع الإعلام المسيحي “القبطي” أن يتوقف عن ميوله السياسة زاهدًا عن الدنيا، راجعًا إلى بداياته الدينية النقية.