مسابقة إعلام.أورج ..المقال الفائز بالمركز الثاني
إعلام.أورج
حصل مقال “الفارق الحقيقي” للكاتب “حسام عماد عبد الله” على المركز الثاني في مسابقة إعلام.أورج لأفضل مقال في مجال الميديا لعام 2015، وسيعلن الموقع غداً عن عنوان المقال الفائز بالمركز الأول .
حسام عماد عبد الله يكتب : الفارق الحقيقي
(1)
* صدام حسين، الرئيس العراقي الأسبق، اضطر إلى تجميل وجه نظامه، الذي ملأته العنصرية والديكتاتورية، تلك الصورة التي ساهم بشكل كبير الإعلام مدعومًا بإدارة سياسية غربية في رسمها؛ فعمد في أعوامه الأخيرة إلى عدد من مرتزقته، المسمون زورًا بالصحافيين، هؤلاء الذين تجدهم في كل زمان وفي كل مكان، تختلف أشكالهم وصفاتهم، ويتفقون على شيء واحد وهو أن لهم سعرًا طالما بلغوه مستعدين لفعل أي شيء لك، فأصدر عددًا من الصحف الأسبوعية التي تتطرق إلى موضوعات محرمة، أو تتناول بالنقد أعمال وقرارات مسؤولين حكوميين من الصف الثالث (درجة مدير عام فما دون)، حتى يصنع معارضة هلامية ويصدر للعالم الغربي الذي يقوم بقسوة شاشاته وسياسييه ومسؤوليه بوصمه بما يسعى لإسقاطه، بأنه (لا سمح الله) ديكتاتور.
* وفي روسيا في فترة ما بعد (ذوبان الجليد) اضطرت السلطة السوفيتية، تحت الضغط الشعبي، بالإضافة إلى اشتداد عود حركة المنشقين، إلى إعطاء هامش من حرية التعبير للصحف الثقافية على وجه الخصوص؛ وذلك لأن المثقفين السوفيتين كانوا في طليعة من كان يتصدى للنظام الشمولي السوفييتي.
(2)
لم تنتج نفس النتيجة في كلا الحالتين، فالحرية الكرتونية السوفيتية أنتجت صحافة واعية ذكية، رصينة لا تتهور وتجازف بالمكسب الذي فازت به من مساحة للحرية في ظل نظام سال فيه الدم سيلان الماء في النهر، ولم تترك مكانتها الطبيعية في أن تنتقد السلطة، وتبرز مساؤها، وتوعي الجماهير التي انتدب الصحافي يومًا أن تحل بتلك الصفة من أجل توعيتها، ومن أجل الحفاظ على قيمها الطبيعية.
بينما كانت النتيجة في الحرية الكرتونية الصدامية، إن ازداد عدد المرتزقة العاملين في صحف صدام، هؤلاء الذين دجنهم النظام الفاشي، وقلة الصنعة الصحافية العراقية، برغم وجود المناضلين – الذي لا ينحل عقدهم أبد الدهر – فهؤلاء لا يختفون أبدًا، لكن ما كان سمة عامة كان هو حالة التردي في الصحافة العراقية.
(3)
الفارق بين كلا الحالتين هو أن العاملين في الصحف السوفيتية واسعة الانتشار، كانوا من الكتاب والصحافيين المتعطشين إلى الحرية، المتطلعين إلى مستقبل أفضل لشعبهم، ففي كلا الحالتين الشمولية ضاربة بقوة، والحرية مؤقتة مصطنعة، وفي إطار ما هو مرسوم لها بالطبع، ولكن الفارق هو تمسك وتعطش الصحافيين للحرية، للثقافة، تمسكهم بما هم عليه، بأنهم صحافيون، لا أي شيء آخر.
(4)
دائمًا الفارق هو ما يصنع الحقيقة، ولولا وجوده لما استطعنا التفرقة، بين الحق والضلال، بين السلام والدمار، بل ما استطعنا العيش من الأساس، الفارق تجده يا زميلي العزيز بداخلك وخارجك، في الكالوس وعلى المسرح، الفارق ما لا يستطيعون إخفائه، فبرغم كل شيء يظل موجودًا، حتى لو تواجد معه ما لا يسمح بوجود نزاهتك وإنسانيتك، ولا زلنا وما زال كثيرون نعزف جميعًا على أوتارها، برغم ما حل للعالم مما يناقضها، منذ وجود العالم من صراعات وأهوال وأشياء تندى لها كل القيم جبينًا، فهي طبيعة كونية أزلية لا مفر منها.
إن تمسك وتعطش الصحافيين بالإنسانية، هو ما جعل ويجعل دائمًا الفارق شاسعًا، الصحافي الذي لا يستسلم برغم ما يجده حتى لا يخسر بذلك نفسه ويخسر معه المجتمع أشياء جميلة كثيرة، هو من يجعل الفارق بائنًا، أنت من يصنع الفارق في النهاية، الفارق بين أن يعيشون يحتمون بك مما يغتال إنسانيتهم، أو أن تتركهم في العراء بلا غطاء، كنوح يصنع سفينته، فيسخر القوم منه كلما مروا لو استجاب لهم، أو تسلق اليأس ساعة من نهار أسوار آماله وهمته العالية، وترك ما يصنع لغرق الجميع.