لعل هذا السؤال لا يشغل الرأى العام بقدر ما يشغل الوسط الصحفى والإعلامى..
ولكن عدم وضوح الأمر من شأنه أن ينعكس على الرأى العام الذى يتلقى ويستقبل الاشتباكات الإعلامية فى صورة قضايا وطنية تأخذ من جودة حياته اليومية قدر من الملل والأرق والانتباه والإحباط مع أن جوهر الموضوع فى حد ذاته إنه مجرد كارت يتم التلاعب به فى اشتباكات يفتعلها البعض وهو فى غنى عنها.
بالأمس كان اللقاء الرابع أو بمعنى أدق الاجتماع الرابع بين الرئيس ومجموعة من “شباب الإعلاميين” فى الفيوم، بعد افتتاح الرئيس لمصنع أسمدة تابع لشركة النصر للكيماويات الوسيطة، وحضر اللقاء أو الاجتماع السيد وزير الدفاع الفريق صدقى صبحى.
كان من المُلفت أن الاهتمام الصحفى والإعلامى لم يذهب تجاه الرسائل التى جاءت فى كلام الرئيس سواء فيما يخص الإعلام أو ما يخص السياسة والبرلمان، ولكن كل التركيز توجه نحو “الوسيط” الذى نقلت من خلاله الرسالة.. الاهتمام والتركيز كان على “شباب الإعلاميين”.
وخرج البعض ليحمل الأمر رسائل على هواه ويصدرها للناس على أنها حقيقة بأن الرئيس يقصد من اللقاء كذا وكذا وأن الرسالة المقصود منها قطاع آخر من الإعلاميين تم استبعادهم وأشياء من هذا القبيل.
من هنا وجدت أهمية توضيح عدد من الأمور لمن يُريد أن يعرف طبيعة العلاقة بين الرئيس وشباب الإعلاميين.
يعنى إيه شباب إعلاميين؟
فكرة التصنيف الفئوى داخل الجماعة الإعلامية أو الصحفية كانت أمر مُزعج فى حد ذاتها، البعض يرى أنها تؤجج الصراع بين الإجيال الإعلامية المختلفة لاسيما وأن الإعلام لا يعرف شباب أو قدامى، ولكن الإعلام إما أن يكون مهنيًا أو غير مهنى.
وهو رأى له وجاهته فى ظروف إعلامية طبيعية مُنضبطة ومُنظمة.. ولكن فى السيرك الإعلامى المنفلت الذى تعيشه مصر باعتراف الإعلاميين أنفسهم.. أعتقد أن التمييز المهنى أمر له أهميته.. نحن نعمل فى نفس المهنة لكن الرسالة مختلفة وهذا واقع.. نحن نعمل فى نفس المجال ولكن الأسلوب متباين فى التناول للمادة الإعلامية المطروحة.
الطبيعى والمنطقى أن هذا التصنيف “شباب” لن يستمر طويلًا لعوامل كثيرة من بينها أنه بمجرد سيطرة الإعلام الجيد على الساحة المصرية من الطبيعى أن يذوب أى تصنيف فئوى ويصبح الجميع فى تصنيف واحد وهذا الأمر نمضى فى الطريق إليه، وخاصة أننا ننتقل من مرحلة الفوضى إلى مرحلة التنظيم مع تأسيس الكيانات المُنظمة للإعلام بحكم الدستور، وبالتالى المشهد العام فى 2016 مؤكد أنه سيحمل قدر من الاختلاف.. وكذلك أن معظم “شباب الإعلاميين” فى واقع الأمر من جيل الوسط، وبالتالى الأمور المُتعلقة بصناعة الإعلام فى مصر قد تتغير، وهذا الأمر وارد بقوة أو بمعنى يقترب من الحتمية، وفقًا لقواعد العرض والطلب، وبالتالى تبدل الخريطة الإعلامية خلال عامين أو ثلاثه لن يعترف بتصنيفات، لكن سيكون محكوم بقواعد المهنية ومحققًا لمعادلة العرض والطلب.
طبيعة العلاقة مع مؤسسة الرئاسة؟
الطبيعى لأى صحفى أو إعلامى أن تكون له قنوات ممتدة مع مؤسسات الدولة المختلفه لأن أساس مهنتنا أننا باحثين عن المعلومة الصحيحة، وهذه هى لغة المهنة التى يتحدثها العالم كله.. الصحفى معلومة قبل أى شىء.. الإعلامى ليس ناشطًا سياسيًا، والناشط السياسى لا يصلُح إعلاميًا.. ولكن العلاقة مع مؤسسة الرئاسة بالنسبة لمجموعة شباب الإعلاميين بدأت فى ديسمبر 2014 بلقاء عام مع السيد رئيس الجمهورية استمر لنحو ست ساعات طرح خلاله كل الأمور التى تشغل مصر حكمًا وشعبًا.. مصير ومستقبل.
فى هذة الفترة كان الرئيس يلتقى الشباب فى كل المجالات وكانت المبادرة الرئاسية بلقاء الشباب فى المجال الإعلامى.. حوالى 22 شاب.. مؤكد أنهم ليسوا كل شباب الإعلاميين لكن أفكارهم المُختلفة تمثل لوحة واضحة المعالم لهذا الجيل.. كان فى هذا الحوار من هو فى أقصى اليمين ومن هو فى أقصى اليسار.. من يرفع شعار الدولة أولًا، ومن يرفع شعار الثورة أولًا.. وهكذا.
خلال هذا الاجتماع طرح الرئيس ما قام بطرحه على كل من اجتمع بهم فى كل المجالات، وهو تحمل المسئولية والانطلاق فى العمل، والانتقال من التنظير إلى المساعدة الفعلية لمن يملك فكرة أو رؤية قابلة للتطبيق.. ووقتها طلب السيد الرئيس أن نحضر افتتاح مجمع الجلاء الطبى، وعدد من المشروعات لنشهد ما يتم إنجازه على الأرض.
واقع الأمر أننا تعاملنا مع رسالة الرئيس بمسئولية، وبالفعل خلال عام قدمنا رؤيتنا بكل نزاهة فى ملفات مختلفة سواء ما يخص ميثاق الشرف الإعلامى أو الأمور المُتعلقة بإعادة الحياة إلى ماسبيرو وقدرته مرة أخرى على المنافسة، وكذلك الشفافية، وحرية تداول المعلومات، وكذلك كيفية التعامل مع الإعلام الغربى، فضلًا عن مهام اجتماعية وتنموية تطوع بها عدد من الزملاء، وتم فتح ملف الشباب المحبوسين، وأيضًا العمل التنموى فيما يخص القرى الفقيرة، وما إلى ذلك.
بعد هذا اللقاء.. اجتمع الرئيس معنا مرة أخرى فى الصين، ووجدناه مُتابع لكل الأوراق التى قُدمت، ويتساءل عن حجم الإنجاز الذى تم، ثم لقاء آخر فى أبوظبى جاء فى نفس السياق، وصولًا إلى لقاء الفيوم، والذى وجه خلاله الرئيس رسائل من بينها أنه ليس له شلة أو مُقربين، وكذلك أن البرلمان فى النهاية يُعبر عن اختيار المصريين وأنه جاء بانتخابات نزيهة وقفت فيها الدولة على الحياد بشكل تام، وأن المشهد الإعلامى المصرى ليس له مثيل فى العالم كله سواء فى الدول المُتقدمة أو الدول التى تتشابه مع مصر فى ظروفها، وجدد مطلبه بضرورة بناء وعى حقيقى للمصريين، وتحدث عن أهمية المشروعات الكبرى التى تتم خلال الفترة الحالية، وأن الاهتمام بالمشروعات الكبرى يتم بالتوازى مع تنمية القرى الفقيرة والمشروعات الخدمية الأخرى التى تمس حياة المواطنين بشكل مباشر.
هل أصاب شباب الإعلاميين الغرور؟
دعنا نتحدث بصراحه وبشكل مباشر.. النفس البشرية لها مُحددات.. وأصابع اليد ليست على شاكلة واحدة.. والظهور بجوار رئيس الجمهورية له رونقه، خاصة إذا كان هذا الرئيس له شعبية جارفة مثل الرئيس السيسى.. وبالتالى من الوارد أن يكون البعض قد أصابه الغرور.. ومن الوارد أن يجد البعض فى المشهد ما يفوق إمكانياته وفقًا لتطلعاته.. أمر طبيعى نحن فى نهاية الأمر بشر.. ولكن عامل التقويم هنا ومربط الفرس هى المهنة نفسها، لأن مهنة الإعلام حالها كحال كل عمل إبداعى لا يعرف الفرض.. إما أن تتقبلك الناس أو ترفضك.. ولذلك لم ينجح معظم كبار الإعلاميين فى جعل أبنائهم إعلاميين مثلًا.. ولم ينجح عدد كبير من كبار الممثلين فى جعل أبنائهم نجوم شباك.
البُعد الآخر.. أن إدارة الرئيس السيسى واضحة فى التعامل، لن تسمح بوجود مراكز قوى سواء صغار أو كبار أو يستغل اسمها أو يتم التحدث باسمها.. العلاقة مع الجميع على قدم المساواة.. صحيح أن البعض يُخطىء فى تفسير الأمور.. أحيانًا يفهم أن الانفتاح قرب، وأن القرب يعنى أن له وصاية من قريب أو بعيد على هذه الإدارة.. وكل من يظن ذلك ولو للحظة يكون قد قرر الانتحار سواء كان من الشباب أو المُخضرمين.
هل تتحمل مصر صراع أجيال إعلامى؟
فى تقديرى أن هذا الدفع يمثل كارثة بكل المقاييس من ناحية المبدأ ومن ناحية التوقيت.. من ناحية المبدأ، وهنا أتكلم عن الصحافة باعتبارها موطنى الأصيل.. الصحافة لا تعرف صراع الأجيال، والكبير فيها لا يعامل معاملة خيل الحكومة.. فى هذه المهنة الراقية أصول تعلمناها أولها احترام من هو أكبر منك سنًا وأكثر منك خبرة حتى وإن جاوزته فى المعرفة والتجربة، ومن هنا جاء المصطلح الصحفى الدارج الأصغر يقول للأكبر “يا ريس”.. ليس من باب التعظيم، ولكن من باب الاحترام، وهى فريضة يجب أن تظل مُتبعة والجيل الذى سيقدم على كسر الاحترام فى المهنة سيكون هو أول ضحاياه.
أما من ناحية التوقيت.. فمصر الدولة والكيان تواجه تحديات كبرى والإعلام المصرى عنصر رئيسى من عناصر القوة الشاملة للدولة المصرية تفتيت هذا الإعلام فى معارك جانبية أمر بالغ الخطورة، ولا أحد يُريده ولا يجب أن يُدفع باتجاهه.. الكل له تأثيره والكل له دوره وهنا أتحدث عن الجماعة الإعلامية بشكل عام.. المُهم أن نكون مُحددين المنهج والهدف.. وهنا معنى وقيمة الاصطفاف الإعلامى الوطنى حول الدولة المصرية.. نتفق ونختلف فيما بيننا فى الرؤية والمنهج والأسلوب نؤيد ونعارض هذا أمر منطقى وصحى، ولكننا جميعًا صف واحد فى معركة الدولة.
نقلاً عن موقع “مبتدا”