بعد يناير خرج تامر أمين من ماسبيرو إلى الشارع، لأن وجوده وقتها في تلفزيون الدولة لم يكن محتملا، بعد اقتران اسمه بتلويث خالد سعيد شرارة الثورة، ولم يشفع للناس محاولة التراجع عندما قرأ الفاتحة للشهداء، واعترف على الهواء مع اقتراب سقوط مبارك أن شباب التحرير “طاهر”.
كان أمين في الوعي الغاضب يمثل دولة مبارك التي ثار عليها الناس، من أول التعيين بالواسطة كابن لأمين بسيوني مثلما عين شقيقه علاء، ومعظم قيادات ماسبيرو الآخرين، كمحمد الوكيل وممدوح الليثي والمئات من أعضاء عزبة صفوت الشريف، إلى ضبط بوصلة الأداء الإعلامي على مؤشر النظام، بتوريثه وعسسه وتنكيله بالمعارضه.
كان هو صوت النظام حتى في البرنامج الذي تمتع بمستوى معارضة أكبر نسبيا “البيت بيتك”، فتوزعت الأدوار؛ محمود سعد كمعارض حتى مستوى رئيس الحكومة في مواجهة تامر الذي تقمص دور كمال الشاذلي.
وبعد تجربتين فاشلتين في الفضائيات استقر تامر في “روتانا” ببرنامجه “ساعة مصرية”، ظهر في زي يشبه زي ساحر “مولد السيدة”، وأمامه أربعة شخصيات، بينهم إثنان على الأقل في كل حلقة محسوبان على التيار الإسلامجي، كالإرهابي المتقاعد طارق الزمر أو نادر بكارـ ولم يحقق البرنامج نسبة مشاهدة تذكر، لكنه استقر هناك لسبب ما.
برر تامر وجود الإسلامجية بأن “يناير” أعطت الإعلام درسا أنه لا إقصاء لأحد، لكن بعد ثلاثين يونيو كان أول من نسي درس يناير، منضما لجوقة ترى الرئيس هو الدولة، ولم يتردد في سياق مهاجمته لخالد أبو النجا في أن يقول إن السيسي “معصوم”، بعد أن كرر اسطوانة المؤامرات وهدم الدولة.
هل كان تاب أمين عن أدائه في فترة مبارك، ثم عاد لسيرته الأولى بعد أن تراجعت سيرة الثوار مرحليا لصفوف متأخرة وعلا صوت الأجهزة القديمة في مواجهة الإرهاب؟
لا، لم يتب أمين بل واصل ضبط ميكروفونه على هراوة السلطة، ففيما ذهبت السلطة للإسلامجية في عهد مرسي، وأمامها خصوم مدنيين، وأجهزة غاضبة، ضمت مقاعد برنامجه هذه العناصر جميعا فكان مرآة لسلطة غير كاملة.
وفيما خلت الساحة الآن إلا من بقايا أجهزة مبارك ودخل الإسلامجية السجون، وبقي الثوار القدامى في الشتات، عاد الرجل إلى سيرته الأولى، ملوثا ومنظرا وضابطا للإيقاع السلطوي البوليسي.
في الثمانينات أغرقت القاهرة شرائط كاسبت تخص لصا تائبا يحكي للناس تجربته من السرقة للصلاح، حقق مكاسب هائلة باللعب على عاطفة الناس الدينية، ثم وقع بعد سنوات قليلة في يد الشرطة وبحوزته مسروقات، ولم يفطن الناس أن شرائط التوبة كانت في ذاتها سرقة أيضا، لكن أكثر دهاء.