-1-
س: هل من المفترض أن نقول شكرًا لمن أتاه المزاج أخيرًا فضغط على زر “أفرج” به عن مصورة صحفية “لظروف صحية”؟
ج: لا.
أولًا – على عكس ما يظن كثيرون – لم “يفرج” عنها إلا بشروط تبقيها أسيرة اتهامات فضفاضة شوفينية .. تبقيها حرفيًّا، وفقًا لمحاميها، رهن الإقامة الجبرية في منزلها و منعها من التوجه إلى أماكن بعينها تحددها المباحث و إجبارها على التوجه إلى قسم الشرطة في أي وقت تحدده هذه. و ثانيًا، تبقى تهمتها الرئيسة – الانتماء لجماعة إرهابية أسست على خلاف القانون، و بث أخبار كاذبة من شأنها تكدير الأمن و السلم العام – تهمة جاهزة متكررة في حالات كثيرة “تصادف” أنها تؤمن بثورة 25 يناير التي “حماها” الجيش و لايزال رئيس البلاد “يحترمها”، بينما يصفها من يفتخر بأنه “قاضي الإعدامات” بأنها “25 خساير” و يبقى رغم هذه الخصومة المعلنة فوق منصة العدل.
-2-
س: هل من المفترض أن نقول شكرًا لمن أتاه المزاج أخيرًا فضغط على زر يسمح لنزلاء معتقل سيئ السمعة بقطعة من غطاء في شتاء قارص؟
ج: لا.
فلنشكر إذًا من اغتصب طفلًا بعصا في مؤخرته في قسم للشرطة ثم أنعم عليه بشربة ماء. و لنشكر إذًا من ألقى بالمئات إلى غياهب السجون و المعتقلات لشهور و لسنوات دون أدنى فرصة للدفاع عن أنفسهم أمام محكمة ثم سمح لهم بقليل من الهواء. و لنشكر إذًا من يقف وراء هُتّاك الأعراض على شاشاتنا من باب “حرية التعبير غير المسبوقة” ثم يتدخل لإقامة الصلح خارج إطار القانون حين تجبره حساباته و يأتيه المزاج. و لنشكر إذًا من حبس صحفيًّا استقصائيًّا أدى عمله بدقة و مهنية، و من وقف وراء زوار الفجر لإهانة رجل أعمال و ابنه ثم تكرم بالإفراج عنهم بعد أيام بينما لم يعلم أي منهم لماذا قُبض عليه و لا لماذا حُبس و لا لماذا أُهين و لا لماذا أُفرج عنه. و لنشكر إذًا أنور السادات و هو يتماهر على نفسه و على الناس و على الله حين قال: “كله بالقانون”.
-3-
س: هل من المفترض أن نرقص جميعًا على أنغام أغنية “بشرة خير” و إلا فنحن في أعينهم خونة و إخوان؟
ج: نعم.
مثلما لا يزال جانب من الإسلاميين عاجزًا عن إدراك لماذا أدركت أطياف مختلفة من شعب مصر – بعضها متضارب الرؤى و المقاصد – أن محمد مرسي لم يعد لدى نقطة بعينها، و لأسباب موضوعية، رئيسًا لكل المصريين، لا يزال جانب من الطرف الآخر عاجزًا عن إدراك الفارق بين 30 يونيو و 3 يوليو و عاجزًا من ثم عن فهم من يدركونه.
لن تفيدك كثيرًا محاولة فهم لماذا تختار صحف و مواقع إخبارية تستقي أجنداتها من أعلى أن تلتقط مشاهد من مثل هذا المشهد و قد تكرر في مناسبات مختلفة لأناس مختلفين. قبل أكثر من عام، في ختام مؤتمر صحفي عربي، تم توزيع الجوائز على صحفيين بذلوا مجهودًا كبيرًا في أعمالهم فحق لهم أن يحتفلوا. بعضهم احتفل رقصًا على أغنيات من شتى أنحاء العالم العربي، و حين انطلقت أنغام “بشرة خير” اختار بعضهم – من مصر و من غيرها – أن ينتحي جانبًا. حريته الشخصية. لكنّ هذه الحرية الشخصية التي لم تضر أحدًا لم تعجب كثيرين رأوا في ذلك “خيانة” و انحيازًا لموقف الإخوان.
و رغم استطلاعات تشير إلى تراجع في شعبية ما بعد 3 يوليو، يبدو أن هذه الذهنية التي وطدتها ممارسات السلطة و هبل “الإعلام” لا تزال موجودة حتى اليوم. تحكي الزميلة الصحفية المحترمة، شهيرة أمين، عن موقف حدث أمامها قبل أيام قليلة عندما خرجت مع بعض أصدقائها إلى أحد المطاعم. كانت صديقة لها ترقص عندما انطلقت أنغام “بشرة خير” فاختارت أن تعود إلى الطاولة في هدوء. فجأة اقتربت من طاولتهم سيدة لا يعرفونها و طفقت تصيح بصديقتها في غضب: “لولا السيسي ماكنتيش هتعرفي ترقصي و لا تفرحي .. إنتي أكيد إخوان”. أُسقط في أيديهم، فكيف يمكن أن ترد الصديقة على اتهامات كهذه و هي أصلًا مسيحية؟ و حتى إن لم تكن، كيف يمكن أن تتعامل مع ذهنية بكل هذا الشذوذ، تخفي وراءها من البارانويا و من الذعر و من الإحساس بالذنب بأكثر مما تخفي من مظاهر الأنانية و العجرفة و ضيق الأفق؟
-4-
“حالة الإحباط أحد أبرز الأسباب التي أدت إلى ارتفاع دائرة العنف داخل المجتمع المصري، إضافة إلى التلوت السمعي و البصري و أحيانًا الأخلاقي. … أيضًا، ضعف القنوات الشرعية التي يمكن من خلالها أن يعبر المواطن عن رأيه أدى إلى حالة من الرفض و الغضب. … كذلك الأسباب الاقتصادية مثل الفقر و البطالة و فقدان فرص العمل و زيادة الأسعار و الظروف الاقتصادية السيئة قد تدفع إلى القيام بأعمال عنف، منها البلطجة، للحصول على أموال” – مركز المعلومات و دعم اتخاذ القرار، التابع لمجلس الوزراء، 2010.
“أكد استطلاع للرأي العام أن الفساد و استغلال النفوذ و سيطرة رأس المال .. من أهم أسباب نقص الإحساس بالأمن و الاستخفاف بالقانون. إلى جانب عجز أجهزة مكافحة الجريمة عن سد الأبواب التي يتسرب منها الإجرام و الانحرافات. و حذر الاستطلاع من استفحال الفساد في مصر للدرجة التي يصبح معها أقوى من النظام السياسي” – المركز القومي للبحوث الاجتماعية، 2010.
دعك من “عملاء” المنظمات غير الحكومية، هاتان دراستان صادرتان عن الدولة كنا نناقش نتائجهما في مثل هذه الأيام قبل خمسة أعوام. ماذا تغير اليوم؟ بل ماذا زاد؟ … نرقص كلنا؟