نقلاً عن الشروق
مساء الخميس الماضى احتفلت نقابة الصحفيين بتوزيع جوائز التفوق الصحفى وتكريم بعض رموز المهنة الذين أمضوا سنوات طويلة فى خدمة صاحبة الجلالة، وكذلك بعض الحاصلين على جوائز عربية ودرجتى الماجستير والدكتوراه.
سعدت كثيرا أننى حضرت هذا الاحتفال بدعوة كريمة من الزملاء والأصدقاء فى مجلس نقابة الصحفيين برئاسة النقيب يحيى قلاش، والسبب أننى قبل هذا الاحتفال كنت شبه يائس من أحوال المهنة، لكن حالى تغير إلى حد ما بعد هذه الأمسية الرائعة التى بدأت بفقرة غنائية للمطرب إيمان البحر درويش.
فى الأيام الأخيرة كان حال مهنة الإعلام لا يسر حبيبا لكنه يسر كل الأعداء.. قواعد المهنة تعرضت لأبشع انتهاك ربما فى تاريخها، سمعنا سبا وقذفا وشتائم وبذاءات وانتهاكا فاضحا للأخلاق والآداب لم نر له مثيلا، ليس فقط على صفحات الصحف ولكن على شاشات التلفاز الذى يدخل كل بيت.
قرأنا وشاهدنا اغتيالا معنويا منظما للعديد من الشخصيات العامة، التى لم تجد من يحميها رغم عشرات البلاغات للنيابة، صار عرض المكالمات التليفونية الشخصية أشبه بمسلسل درامى لا يثير حفيظة أحد، وصار عرض أفلام البورنو مجرد وجهة نظر بل وخبطة صحفية!.
صار فى إمكان أى شخص أن يتصل بأى محطة فضائية ويمرمغ سمعة الجميع فى التراب بلا أى دليل أو اتهام، ومن دون أن يخشى أى عقاب أو حتى مجرد مساءلة من أى شخص أو جهة، بل قد يتحول هؤلاء ليصبحوا رموزا للمجتمع.
فى المقابل تتعرض المهنة لأسوأ وضع اقتصادى منذ سنوات طويلة، وباتت بعض الصحف والفضائيات مهددة بالإغلاق وتشريد العديد من العاملين فى هذه المهنة من صحفيين ومعدين وموظفين وعمال بعد أن قلت حصيلة الإعلانات بفعل الأزمة الاقتصادية فى مصر والمنطقة.
هذه هى الخلفية التى ذهبت بها إلى نقابة الصحفيين مساء الخميس الماضى، لكن ما شاهدته فى هذا الاحتفال قلل إلى حد كبير من سوداوية المشهد الصحفى، من دون أن يقضى عليه بطبيعة الحال.
غالبية الفائزين بجوائز التفوق الصحفى من الشباب، أعرف بعضهم من خلال ما يكتبونه فى صحفهم، وعندما رأيتهم على خشبة مسرح الدور الأول بنقابة الصحفيين شعرت أن هذا الجيل الشاب قادر إن شاء الله على النهوض بالمهنة، رغم الشوائب الكثيرة العالقة والبقع القذرة التى تلطخ ثوب الإعلام.
هؤلاء الفائزون من الشباب لا يزالون يحاولون العمل طبقا للمبادئ والقواعد الصحفية «كما يقول الكتاب».
ومن حسن الحظ أن غالبية هذا الجيل تفتَّح وعيه السياسى على ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، أى أنه ولد متمردا وعصيا على التدجين، وبالتالى فهو يسعى دائما إلى البحث عن الأفضل والأقصى والأعلى.
الأمل الحقيقى أن أمثال هؤلاء الشباب سوف يفرضون قواعدهم فى هذه المهنة عما قريب؛ لأنه لا يمكن للنماذج المنفلتة أن تظل هكذا إلى ما لا نهاية.
لكن من سوء الحظ أن المجتمع يرى النماذج الضالة والمشوهة فى الإعلام، ولا يرى النماذج المحترمة والمهنية والطبيعية.
ثورة التكنولوجيا فى مجال الإعلام قلصت إلى حد كبير من الاستبداد فى كل مكان، وصار الأصل هو الحرية، وصارت أعمال أى مسئول تحت المجهر، وحتى إذا ضمن سكوت وصمت الإعلام الرسمى فإن الإعلام الخاص والمستقل لن يتركه فى حاله.
فى كل يوم أقابل نماذج من إعلاميين محترمين شباب يعملون بجد، ويقرأون بدأب، ويسعون إلى تنمية عقولهم وأفكارهم وليس حساباتهم البنكية ووحداتهم وفيلاتهم السكنية.
يوما ما وأظنه ليس بعيدا سوف نرى هذه النماذج المحترمة تتصدر واجهة المشهد الإعلامى. هؤلاء سوف يكونون الصورة المثالية للاعلام المصرى التى تشوهت كثيرا فى الفترة الماضية، وأساءت إلى صورتنا بالخارج بصورة لا يتصورها الكثيرون.
مبروك لكل الزملاء الفائزين وأهمس فى آذانهم جميعا: تمسكوا بمهنيتكم ولا تساوموا على حريتكم.