نقلاً عن مجلة 7 أيام
هل تعلمون من هو المحرر الجهبذ؟ هو الذي كتب في تقرير صحفي ينصح القراء بالتعرض لأشعة الشمس الصباحية أو المسائية للحصول على فيتامين “د” ، هل هناك أشعة شمس مسائية؟ وحده المحرر الجهبذ يصدق ذلك، محرر جهبذ أخر كتب يقول “وتم العثور على جثث داخل حجرات النوم فى حالة خطيرة جراء محاصرة المياه لمنازلهم” ، أي أنه يعتبر الجثث لاتزال في حالة خطيرة بعدما ماتت غرقا، تماما كعلاء ولي الدين في فيلم “الناظر” الذي كان يظن أن مكروها آخر حدث لوالده رغم وفاته، محرر جهبذ ثالث كتب يقول “نفوق شخص ودابته في تصادم بالبحيرة” والمعروف طبعا أن كلمة “نفوق” تستخدم مع الماشية فقط وليس الإنسان، وأخيرا وليس آخرا “وطالب الشهيد بدخول المياة القريه ومقابله السيدي الرئيس عبد الفتاح السيسى بمناسبه العيد الأضحي المبارك” ليكون الشهيد المشار إليه هو أول شهيد له طلبات بعدما لقى ربه.
تعبير “المحرر الجهبذ” كما هو واضح الآن تعبير تهكمي على مجموعة من المحررين الشباب الذين دخلوا المهنة قبل التأهيل المناسب، هؤلاء لا تصل “بلاويهم” في العادة للقراء، وربما حتى لزملائهم في نفس الجريدة، لأن من يطلع عليها فقط هم ” أهل الديسك” والديسك مصطلح يخص مهنة الصحافة، ويُطلق على هذا المحرر “المسكين” المحترف في الكتابة والمراجعة والذي يجلس على “الديسك” ليل نهار حتى “يصنفر” المواد التي ترد من كل المحررين ويجهزها للنشر بعد حذف “المصائب” التي بدأ المقال بأمثلة بسيطة ومحدودة لها، تخيلوا لو أن هذه العبارات مرت للقراء كيف كان سيكون الوضع، مع الوضع في الاعتبار أن غيرها يمر، وأن جريدة يومية مرموقة مثلا وقعت الأسبوع الماضي في خطأ نشر صورة لعامل يمسك لوح خشب وكان التعليق ” فني روسي خلال إنشاء أحد المختبرات” ، إذن الأخطاء الصحفية باتت أمرا واقعا لأسباب عدة، لكن مقاومتها ضرورة في نفس الوقت، والمقاومة لا تكون بالطريقة التي تعلمها جيلي ومن سبقه للأسف، هذه الطريقة اعتمدت على وجود مصحح لغوي و”ديسك” سيقرأ ورانا كل كلمة، فلماذا نرهق أنفسنا ونركز في الصياغة، المهم المعلومات وكلام المصادر، هذا المبرر الذي جعل معظم أبناء جيلي – وأنا منهم- لا يهتمون بقواعد النحو البسيطة وأصول الكتابة كما ينبغى، لم تكن آثار هذا التواكل فادحة قبل عشرين عاما لأننا كنا قد تلقينا تعليما جيدا، وكنا نقرأ أكثر مما نكتب، لكن جيل صحافة الفيس بوك وتويتر وبرامج التوك شو، يسير في طريق آخر، تتصدره لافتة مكتوب عليها ” الاعتراف بالخطأ رذيلة” .
ما سبق مقدمة للإشادة بتجربة ” أكتب صح” للكاتب والروائي والصحفي المرموق حسام مصطفى إبراهيم، التي أطلقها أولا عبر فيس بوك، من أجل رصد أهم أخطاء الصحفيين الجدد، والقدامي أيضا، وكذلك نشر آدلة وملخصات لحصار الأخطاء الشائعة قبل أن يحول التجربة ككل لموقع صحفي هو ektebsa7.com من أجل معالجة عيوب النشر عبر فيس بوك، والاحتفاظ بما ينشر في بحث جوجل، والقدرة على تصنيفه حسب أبواب الموقع، التي تضم أبرزها وهو باب “المحرر الجهبذ” التي يؤدي لإصابة محرري الديسك بجلطات في القلب والمخ بسبب أخطاءه الأسطورية، وباب آخر لمعالجة الأخطاء الشائعة وبدأ بالفعل سلسلة يومية لملاحظات على عناوين أخبار المواقع المصرية التي تمر أغلاطها أمام العين مرور الكرام خصوصا وأن “عين القارئ” غير المحترف لا تلقط الأخطاء بسهولة وهو ما ينطبق أيضا على معظم المحررين للأسف الشديد ، وباب للمقالات وآخر للإصدارات وخامس للوظائف.
هدف مبادرة وموقع “أكتب صح” هو انقاذ المهنة من السقوط في حفرة أكثر عمقا مما فيها الآن، لكن هذا المقال ليس موجها فقط لزملائي الذين يجب أن يستفيدوا من تجربة حسام مصطفي إبراهيم ويشدون علي يده ويدعموها، وإنما للقراء أيضا، إذا كانت ربة المنزل التي تفهم في الخضروات والفواكه جيدا من المستحيل أن يخدعها البائع “الحلنجي” فإن “المحرر الجهبذ” بالمعنى التهكمي لن يستمر في أخطاءه إذا شعر بتزايد عدد القراء القادرين على اصطياد هذه الأخطاء، نريد كصحفيين أن نكتب صح، ونريد أيضا من الجمهور أن يقرأ صح .