(1)
تُقاس حضارة الأمم بمهنية إعلامها وبنظافة مراحيضها العامة وبقدرتها على التمييز بين الاثنين.
(2)
يردد المحتالون كلاماً كثيراً صادقاً، كي يدفعوا ضحاياهم لتصديق كذبة واحدة.
لكنّ محتالينا الساكنين في شاشاتنا، إنما يفعلون العكس، إذ يرددون حقيقة صادقة واحدة، كي يبيعونا أكاذيب بلا نهاية.
(3)
لسنا بحاجة لإمعان النظر لنرى حقيقة ما يحدث، فقد قالها أحد (الفضائيين) المصريين علناً: “أنا خيري على الشعب ده كله، من أكبر راس لأصغر عيل لسه مولود امبارح، أنا اللي هزمت الإخوان من الاستوديو ده، لما كنتم كلكم قاعدين على (مؤخراتكم) في بيوتكم بتترعشوا من الخوف.. آخرة خدمة الغز علقة صحيح..”
هذا الرجل، ورفاقه من الفضائيين والفضائيات يؤمنون إيماناً عميقاً بأن الشعب والنظام في مصر مدينان لهم ديناً ثقيلاً، وأنهم الآن في مرحلة تحصيل تلك الديون.
(4)
مهما اجتهدت الدولة -وهي لم تجتهد بعد- في محاولة ضبط الأداء الإعلامي، وحتى إن تشكلت (الهيئة الوطنية للإعلام)، وحصلت (نقابة الإعلاميين) على قبلة الحياة، وصدرت (مدونة السلوك الإعلامي) ووقّع عليها الجميع، ونفخ الله في صورة غرفة صناعة الإعلام، فصارت قادرة على ردع أعضائها الذين يخالفون قراراتها مخالفات علنية..
حتى لو حدثت المعجزة، وتحقق ذلك كله، فإنه سيفشل في تغيير سلوك الذين يرون أنفسهم (أبطال موقعة الإخوان الإعلامية)، لأنهم يرون أن القواعد والضوابط وجهات التنظيم والمراقبة، يجب عليها الانشغال بالدفاع عنهم، وتعبيد الطرق أمامهم، لا التضييق عليهم، ورصد خطاياهم المهنية الفادحة وعقابهم عليها..
لسبب بسيط، لكنه يمنحهم -في اعتقادهم- الحصانة المطلقة: إذ إن رؤوسهم متوجة بالريشة الحقيقية أو المزعومة؛ ريشة معارضة الإخوان.
(5)
تخيلوا معي شخصاً يتطوع للعمل مخبراً مباحثياً، ويبدي تفوقاً ملحوظاً في مهنته.. لا يكلفه (حضرة الظابط) بمهمة إلا أداها على خير وجه، فيكافئه الضابط بصفعة لطيفة على (قفاه)، أو ب(زغد) ودود في أضلعه، ف(ينشكح) المخبر المتطوع أيما (انشكاح) ويتصور أن الدنيا قد دانت له، وأنه -مادام يحظى بعطف سيادة المقدم- قد صار أقوى رجل في (المنطقة) يستبيح لنفسه الخوض في أعراض الناس، وإهانتهم، ورميهم بأحط التهم، دون أن يجرؤ ضحاياه على القصاص منه، بالاحتكام لضوابط العُرف وشرف المهنة، أو باللجوء للقضاء، لا لشيء إلا لأنهم يخافون ممن يحميه؛ سيادة المقدم!
هذه الصورة التعيسة لا ينقصها إلا الإشارة لعنصر واحد، يقبع خارج الكادر، رغم أنه أهم العناصر؛ أليس لهذا المقدم ومخبرُه، عقداء وعمداء ولواءات؟
لماذا يسكتون على تلك الحماقات والجرائم؟ أم أنهم راضون بسلوك المخبر الذي يشبه ثوراً هائجاً في محل خزف؟
(6)
هل يدفع التناقصُ الملحوظ في عائدات الإعلانات التليفزيونية والصحفية، المهنةَ في 2016 للإغراق في المزيد من الابتذال السياسي والأخلاقي ومغازلة الجوانب المعتمة من الحياة (كالعفاريت والملحدين والست التي أكلت ذراع زوجها ..إلى آخره.)؟
أم يدفعها للعودة للمهنية التي صارت الآن في مصر عزيزة المنال، نادرة الحضور؟
هل يختار صحفيونا وفضائيونا ومن يمولونهم سكة الندامة أم سكة السلامة؟
أعيد صوغ السؤال: هل تعود إلى الشاشة في العام الجديد مذيعة الجن والعفاريت وتسبيل العيون وبحة الصوت الكريهة المصطنعة؟
(7)
يختار فريق الإعداد ضحية كل ليلة، يضعونها مربوطة الأيدي والأقدام على طاولة الأستاذ المذيع، أو الست المذيعة، لكي يتم الذبح على الطريقة الشرعية، بعد ذكر اسم الله والشعب والوطن، والتغني بأمجاد إحدى الثورتين (25 أو 30) بحسب الموقف السياسي للباشا المذيع أو الهانم المذيعة..
والضحية هنا قد يكون وزيرا أو محافظا أو رئيس جامعة على الأقل..
يقوم المذيع/المذيعة بإهانته والسخرية منه ومطالبة رئيس الجمهورية بإقالته وبأن يحسن الاختيار بعد ذلك..
وتفاديا ل(وجع الدماغ)أقترح أن يبدأ الرئيس تقليداً يقضي بعرض الأسماء المرشحة للمناصب الوزارية وغيرها من مناصب الدولة أولاً على السادة فضائيي برامج (التوك شوز)لينال رضاهم السامي، قبل أن يغامر بتعيينهم.
وأظن أن السادة الفضائيين والسيدات الفضائيات سيختارون المسؤول الذي يثبت لهم أن دمه خفيف وأنه (بحبوح) ويؤكد لهم استعداده لكشف أدق أسرار الدولة على الهواء، وأنه رهن إشارتهم كلما طلبوه في حلقة مسجلة أو على الهواء، حتى لو اضطر في سبيل ذلك لإهمال عمله، وإرباك مواعيده..
(8)
“التواطؤ هو الذي يجعل اللّسانَ الطويل آمناً في الفم بين ثلاثين سِناً حادةً!” مَثَلٌ سِنْهاليّ