أعشق سينما وأغاني الزمن الجميل، وعندما أستمع لأغاني محمد قنديل – التي غالبا ما أحب أن أبدأ يومي بها – أجده غالبا على مركب في عرض البحر أو في آخر راسٍ على ميناء، “يا مهون هون هون”.. ” يا حلو صبح”، تلت سلامات”، بالإضافة إلى أفلام “صراع في المينا”، و”دماء على النيل”، “عروس النيل”، “ثرثرة فوق النيل”، أفلام وأغاني أخرى كثيرة خلدت ذكر النيل، وحولت مجراه من مساره الطبيعي إلى عروق المصريين؛ حتى يكاد المرء يجزم أن النيل لا يجري إلا في مصر؛ من كثرة إعلان المصريون احترامهم وحبهم وتمجيدهم للنيل “شريان الحياة”.
آخر الأفلام التي شغل نهر النيل حيزا جيدا منها – بحسب ما أفادتني موقع سينما كوم – فيم نهر الخوف، الذي ألفه وأخرجه محمد ابن الرائع صلاح أبو سيف، ويدور حول مشاجرة بين ثلاثة شبان، (عبدالرحمن، عادل، كمال)، كانوا يعاكسون فتاة تسير في الشارع وبين أهل الفتاة، وهم بوابين من الصعيد، يصاب عبدالرحمن وزميله بالفزع، يذهبان لركوب الأتوبيس النهرى، يلمحان أحد ضباط الشرطة على الشاطئ ويظنان أنه حضر خصيصًا للقبض عليهما، يسارع عبدالرحمن باختطاف المسدس ويأمر سائق الأتوبيس بعدم الوقوف، وفى الأتوبيس النهري مجموعة من النماذج البشرية المختلفة ومنها الأم الشابة التي تصرخ خوفًا على أطفالها، وثلاث ممرضات وكاتب المحامي الذي يخبر المختطفين كل لحظة بعقوبة هذه الجرائم، والرجل العجوز الذى يتظاهر بالشباب ويعاكس إحدى الممرضات حتى أثناء الاختطاف.
“أيام التكوين الأول” عندما كنا محض أطفال مررت بمراحل مع ثلاث في تصور نهر النيل، فكان التصور الأول أن النيل لا يوجد إلا في القاهرة، وكنت أحلم بالانتقال من الريف للقاهرة لعدة أشياء أهمها رؤية نهر النيل، اوكنت أراه كثيرا على شاشات التسعينيات، التي ما كانت تعرض على قنواتها الثلاثة (الأولى والثانية والسابعة) إلا أفلام الزمن الجميل – مع بعض الحشو البرامجي – ثم التصور الثاني الذي جعلني لا أتخيل أبدًا أن يكون النيل إلا في مصر، وفجعني كتاب الجغرافيا عندما أخبرني بأن هناك تسع دول أخرى يمر بهم نهر النيل غير مصر.
أين ذهب كل ذلك؟، تغيير مسار النيل من عروق المصريين إلى أين؟ غاب النيل عن ثقافتنا التي يشكل جزء كبير منها السينما والأغاني؟ لا أعلم، فقط أعلم أن إثيوبيا غيرت مساره الطبيعي، وأعلم أيضا أن رد وزير الري المصري كان بوصف ما جرى بـ “إجراء طبيعي”، ما ليس طبيعيا بالنسبة لي أن تحدث كل هذه التغيرات في نفوس وعلى شاشات وواقع المصريين، دون أن يثير ذلك أي قلق لدى المصريين!!.