يبكي الطفل الصغير قنديل، تتعالى أصوات صراخه، تحاول الأم لملمة أصواته المتناثرة في أرجاء القرية الصغيرة حتى لا يستيقظ أحدهم ويصبّ عليها جامّ غضبه، ومن يحميها إن فعل؟ هي أرملة فقدت زوجها قبل أن تسمع الدنيا بكاء صغيرها، اليوم تمامًا يكون قد قضى عامًا كاملًا بعد الفِطام الذي رُبما هو سبب مُعاناتها الآن، الصغير يبكي جوعًا، ويسالها متى يأتي الطعام؟
لا تجد الأم سوى أن تشغله بحيلة: يأتي الطعام حينما تشرق الشمس.
– ومتى تشرق الشمس؟
– أجابته الأم محاولة إشغاله، تأمل هذه الشجرة الكبيرة أمام بيتنا الصغير، من خلفها تشرق الشمس.
يقولون دائمًا إنه لا أحد يموت من الجوع، وعلى الرغم من أن ذلك لا يحدث دائمًا، ولكنها مقولة تحمل جانبًا كبيرًا من الصحة، في الايام التالية زال الجوع، وفي السنوات التالية كان الرزق دائمًا يأتي بما يكفي لسد الجوع، ولكن ثمة شيء آخر لم يزل من الرأس الصغير الذي يتلمس طريقه نحو مرحلة الشباب الآن، وهو أن الشمس تشرق خلف الشجرة، فهكذا قضى بقية عمره، ينتظر كل يوم أن يطل اليوم التالي برأسه من خلف الشجرة.
انتقل بحثًا عن الرزق إلى قرية أخرى، كانت صدمته الأولى حينما وجد الشمس تشرق بدون الشجرة، والصدمة الثانية حينما سأل عن سر هذه الظاهرة فوجد الناس يسخرون منه، وحينما يخبرهم أن أمه اخبرته بذلك يباغتونه بتخطيئها فيغضب، وينفعل، وتزداد صدماته، واحيانًا يحاول ضربهم، كان الحل الامثل أن يزرع شجرة، وظل هكذا في كل مكان يسافر إليه، إلى أن استقر به الحال إحدى المرات في بيئة صحراوية لم يستطع زراعة شجرته المُقدسة على ارضها، حينها أجبره الحال أن يدرك الحقيقة التي كان يهرب منه، أمه لم تكن تخبره الحقيقة!
السؤال الآن، هل كان يضر قنديل أن يستمع لإسلام بحيري حينما أخبره أن أمه كانت مُخطئة بدلًا من أن يحاول زراعة الشجرة غصبًا او محاولة ضربه او توريطه في قضايا حسبة حتى لو لم يقتنع بكلامه؟ قضية اسلام لا تتعلق فقط بتجديد الفكر الديني، هي تتعلق بحرية التعبير بشكلٍ عام، موجة خوف وتخويف مُستمرة تشهدها مصر منذ عامين من اي فكرٍ مُختلف على كل المستويات، بل من أي نبرة صوتٍ مُختلفة، وهي الحالة التي غيبت إعلاميين وصحفيين وشخصياتٍ عامة عن الشاشات قسرًا في بعض الاحيان، وطواعيةً من عند انفسهم احيانًا اخرى حتى لا يصلون لمرحلة الاجبار، دعك تمامًا من السياسة وقصتها، ولنسأل فقط: هل هذه التصرفات والضغوطات التي تجد تأييدًا من قطاعٍ في المُجتمع لا يمكن الجزم بحجمه لكنه موجود، هل هذه التصرفات تمثل مُجتمعًا واثقًا او مُستقرًا؟ ما الذي يمكن أن تفعله الكلمة المُختلفة عن السائد في الدولة؟ هل نحن جادّون فعلًا في تطبيق النصوص الدستورية التي تقضي بحرية التعبير عن الرأي؟ لماذا نحن دائمًا واقعون بين ثنائية القنبلة المُدوي او الصمت المُطبق؟ هل نناقش آراءنا ونتبادلها ونفندها أم نسير في الحياة مصدومين بتساقط مسلماتنا واحدةً تلو الأخرى؟ المُشكلة أكبر كثيرًا من قضية ازدراء او رغبة في التجديد!