العالم يحتفل بالعام الجديد، ورجال الإنقاذ فى دبى يُخلون فندقاً شبّ فيه حريق بمنتهى المهارة، ويصرون على استكمال الاحتفالات، وإنقاذ كل ما ومن يمكن إنقاذه، بينما الإعلام هناك يتابع الحدثين، والبيانات واضحة لا لبس فيها، والشيخ منصور، ابن حاكم دبى، يقف وسط عمليات الإنقاذ ويقودها بنفسه، فيما تتراص سيارات الإنقاذ وعربات الشرطة لتحيط بالمكان، ويبدو الإسعاف فى أعلى حالات الاستنفار، ويتم الإخلاء الكامل للفندق، ولمول دبى الشهير فى دقائق، ولا يحدث تدافع أو اختناق، بينما الإصابات بسيطة، وحالة وفاة واحدة، والـ«سى إن إن» تشيد بإدارة الأزمة، وتبدأ الإشادات فى التوالى على المسئولين عبر الإعلام والسوشيال ميديا بينما العمل مستمر، والمرور لا يتأثر بكل ذلك، والعد التنازلى يبدأ، والبهجة عند برج خليفة تنتظر الجميع، حيث الجميع يطمئن على الجميع، ويصر على الفرحة لأن هناك دولة تقف خلف ما يحدث وتتابعه بمنتهى الإخلاص، ولأن الكل للفرد، والفرد للكل، وهكذا الدول.
قبل نحو عامين أصيب عامل آسيوى فى حادث طريق فى دبى، فوجد الإسعاف التى وصلت بسرعة وطلبت طائرة أقلّت الرجل إلى حيث علاجه الذى حدث بمنتهى المهارة.
دبى غنية، أليس كذلك؟؟ أسمعك تقول الأسطوانات المشروخة المكررة التى قد يرددها المسئولون عندنا عن توافر الإمكانات فى دبى نظراً لأن «عندهم فلوس»، لكن ما رأيك فى أن الأمر لا يعتمد على «الفلوس» بقدر ما يعتمد على الإدارة، فـ«طظ» فى أى فلوس ما لم تكن الإدارة حكيمة وحاسمة، وعموماً سأذكرك بواقعة فى بلد آخر اسمه تشيلى، حيث انهار منجم كابنيانو فى أغسطس 2010، وحُبس داخله العديد من العمال الذين خُلّدت تجربتهم فى فيلم أنطونيو بانديراس الأخير (33) والذى يُعرض الآن فى دور العرض المصرية، حيث استطاعوا الصمود داخل المنجم لمدة 69 يوماً، لكن ليس هذا هو الأمر المثير الوحيد فى الأمر، ولا كيف استطاعوا أن يعيشوا، لكن كيف تم إنقاذهم بإشراف الرئيس شخصياً وفى وجوده من خلال عملية إنقاذ نُقلت على الهواء مباشرة، قبل أن يستقبلهم لتحيتهم فى القصر الرئاسى.
لا أذكر هذه الوقائع من باب جلد الذات، بل من باب السؤال الطبيعى: متى نصبح بلداً محترماً لديه رقابة، ويستطيع إنقاذ حياة المواطن، بدلاً من سمعتنا كبلد أكبر إنجاز فيه أن تظل على قيد الحياة.
فى سنديون بكفر الشيخ، وعلى متن معدية، وفى نفس يوم حادثة دبى، لم يكن الركاب الذين يزيدون على عدد الحمولة المفروضة يعرفون أنها ستكون رحلتهم الأخيرة، وأنها معدية للآخرة، وليست للبر الآخر، وقد وصلت أعداد الضحايا حتى لحظة كتابة هذه السطور إلى 15 حالة وفاة بعد غرق المعدية بسبب الإهمال والأحوال الجوية.
فى مصر، وفى العامين الأخيرين فقط، تكررت حوادث المعديات، ففى 2014 مثلاً لقى 34 شخصاً مصرعهم فى غرق معديات فى سمالوط وبنى سويف وأسيوط، وفى يوليو 2015 لقى 22 شخصاً مصرعهم فى حادثة معدية الوراق، ووقتها قامت الدنيا ولم تقعد على اعتبار أن الحادثة لن تتكرر، وأن منظومة النقل النهرى فى مصر ستراجع، بل إن الأمر امتد لتعديل تشريعى لن يجدى طالما أن الضمير خرج ولم يعد.
فى مصر، وفى العام 2014، وبعد إحدى حوادث الطرق الضخمة، أمهل الرئيس عبدالفتاح السيسى مجلسه الرئاسى للتنمية المجتمعية أسبوعين لتقديم مشروع يحد من حوادث الطرق، ويتعامل مع أزمات المرور، وهو ما لا نعلم ماذا حدث فيه بعد مرور أكثر من عام، لأن شيئاً لم يحدث بعد.
تشعر كثيراً وأنت تتابع ما يحدث فى العالم وما يحدث عندنا أنك تعيش فى مدينة البط، حيث بطوط يثرثر كثيراً فى غضب، ودنجل يسرق فى صمت، وعصابة القناع الأسود فى البرلمان، وعم دهب يزيد من أمواله ونفوذه، بينما بندق المواطن الغلبان يتابع ما يحدث فى صمت، أو يموت فى المعدية.
نحن لا نطلب أن نكون مثل دبى، التى بناها مصريون بالمناسبة، لكن نطلب أن نكون بنى آدمين تحترم الدولة ومؤسساتها آدميتنا وتحافظ على أرواحنا، ينفع ولا صعب؟!