ترتفع أصوات متعددة في تلك القاعة الصغيرة ..فلا تستطيع تمييز أحدهم منفرداً.. الكل يترقب ذلك البيان الذي سيصدر عقب الإجتماع الثلاثي المشترك بين وزراء خارجية الدول الثلاث المشاركين في هذه الأزمة.. مصر هي المتضرر الأول .. و يجلس وزير خارجيتها بين وزيري خارجية أثيوبيا – البلد التي أصبحت محورية فجأة- و السودان.. العمق الإستراتيجي و الأمني لمصر منذ نشأة الدولة المصرية بشكلها الحالي .. الامر لا يشي بتقدم ملحوظ في المفاوضات بين تعنت واضح من الجانب الأثيوبي و تجاهل واضح من الجانب السوداني.. لم يصبح أزمة دبلوماسية حقيقية بعد.. و لكن خطوات قليلة ستجعله كذلك .. يبدو أننا قد إكتشفنا فجأة أن الأفارقة لم يعودوا كما كانوا ..!
هناك تحركات حكومية واسعة ينبغي أن تحدث لإحتواء الأزمة.. الكثير من البيانات خرجت مذيلة بعبارة ” شعب أثيوبيا الشقيق “و ” الروابط التاريخية ” ..! منذ متي و نحن و أثيوبيا أشقاء؟! بل و ما هي تلك الروابط التاريخية؟! اذكر أحد اصدقاء والدي الذي كان يصر أن يصل إلي درجة من القرابة مع كل من يتبادل معه الحديث!! العجيب أنه كان يصل إليها في معظم الأحوال!.. في الصعيد تصلح هذه الطريقة لحل معظم المشاكل بين العائلات.. و لكنني أشك أنها تصلح مع هؤلاء “الأفارقة الجدد”
وزير الخارجية المصري يستعد لإلقاء بيان حول موقف مصر من المفاوضات حتي الأن.. يري أمامه العديد من الميكروفونات لمحطات إخبارية عالمية .. إنهم يهتمون بهذه الأزمة بإعتبارها أول الغيث للصراع القادم .. هناك مقولة إنتشرت عقب الحرب العالمية الثانية أن الحرب القادمة هي حرب المياه.. هل حان وقتها؟ العالم يترقب النتائج التي ستنتهي إليها تلك المفاوضات..
ينتبه سيادة الوزير- الدبلوماسي العريق- إلي أحد الميكروفونات أمامه و عليه شعار تلك القناة العربية الشهيرة.. إنها تلك القناة التي دأبت علي تلفيق الاكاذيب حول النظام المصري منذ أن رحل الاخوان من الحكم.. ينتابه الغضب الشديد.. فيلقي بالميكروفون من أمامه رافضاً وجوده في حركة مسرحية .. ثم يجلس ليلقي بيانه في هدوء و كأنه قد إنتصر في معركة خاصة!!
سيادة الوزير لم يستيقظ من نومه ليصير وزيراً.. فقد تدرج في السلك الدبلوماسي طويلا.. و هذا يعني أنه متمرس علي مثل هذه المواقف .. فماذا حدث؟! يعرف جيداً هو قبلنا أن زلات اللسان أو التصرفات من هذا النوع غير مقبولة في هذا المجال..!
الطريف أن البعض قد أشاد بما فعل.. يصرح وزير أخر بأنه هو من نبهه لوجود هذا الميكروفون أمامه..!الأمر لم يقف عند خطأ دبلوماسي حدث دون تبرير أو إعتذار.. المشكلة أنه تكرر بعدها أكثر من مرة و لكن بطرق مختلفة، كان آخرها أن طلب سيادته أن يتم رفع الميكروفون من أمامه في آخر اجتماع قبل أن يلقي بيانه.. هناك نكتة إنتشرت علي مواقع التواصل الإجتماعي بأن سيادته يرفض هذا الميكروفون حتي لا تعرف تلك الدويلة ما إنتهت اليه الإجتماعات!! الكارثة انني لا اجد سببا اخر لهذا الفعل!!
لا أعرف ماذا سيفعل سيادته إن وضعت تلك القناة الميكروفون الخاص بها دون شعار.. أعتقد أنه قد يطلب الإطلاع علي هويات الميكروفونات !!
الأداء الدبلوماسي في هذه الأزمة لا يرضينا جميعا.. و فضيحة ال end of text أثناء أزمة السياح المكسكيين – حين كان يأتينا سواحاً- لم تمحي من الاذهان بعد!..
الأمر لا يحمل أي تحامل علي سيادة الوزير.. و لكن تصرفات من نوعية ” أنا مخاصمكم” هذه قد لا تليق بدولة بحجم مصر..
لقد أصبح كل ما يحدث الآن أقرب للهزل منه للجد..
أعتقد ان الأداء الدبلوماسي في شق الإعلام ينبغي أن يراجع قليلاً.. و يستوعب مسؤلينا في كل القطاعات كيفية التعامل مع الإعلام حتي الذي يهاجمنا منه.. أو نصمت قليلا في هذا البلد.. لأن ” شكلنا بقي وحش اوي”!!
.