لم تكن المرة الأولي التي أقابله فيها.. فأنا أعرفه جيداً منذ فترة ليست بالقصيرة.. ولكنني أحسست أني أراه للمرة الأولي ..
صحفي لامع .. يعمل في صحيفة خاصة كبيرة .. يعرفونه دائماً أنه خبير في الإسلام السياسي.. ربما لم يخطئوا كثيراً.. فالكل يشهد أنه يحمل خبرة أكثر من رائعة في هذا الشأن تحديداً.. ضيف متكرر في العديد من البرامج التلفزيونية التي تتفنن في الحديث عن السياسة الداخلية ليلاً .. لم أعرف أبداً السبب الحقيقي الذي يجعلهم يعشقون كل هذا الشجار الذي يفتعلونه بين الضيوف كل مساء.. يبدو أن الشجار شرط أساسي لجذب الإعلانات!..
تعرفت عليه في المرة الأولي عن طريق أصدقاء مشتركين.. لم أتمكن من وصفه بالصديق بعد.. فعلاقتنا لم تصل إلي هذه الدرجة.. كل ما أستطيع قوله أنه مرح إلي درجة تجعلك لا تكره وجوده في أي مجلس.. هل تعرفون هذا النوع من البشر؟!
كان اللقاء مختلفاً هذه المرة.. فقد قابلته في أطهر بقاع الأرض.. كنت قد سافرت في عمرة سريعة.. لا تتجاوز اليومان، ثم كان السفر إلي المدينة المنورة ضرورياً.. فلن أعود الي مصر دون أن أزور الحبيب المصطفي بكل تأكيد.. وهناك قابلته.. سلام حار و سؤال عن الأحوال كان هو محور الحديث الأول.. ثم وجدته يجذبني من يدي و هو يدعوني للذهاب إلي الروضة الشريفة معه.. الزحام كان شديداً.. و فرص الدخول الي الروضة في هذا التوقيت شبه معدومة.. خاصة مع من يرتدي عوينات طبية و يملك بنية ضعيفة مثلي.. حاولت إقناعه بتأجيل المحاولة.. لكنه أصر !
يقولون أن الأمر في تلك الأماكن تحديداً لا يخضع للصدفة أبداً.. إنما هي مجموعة من الرسائل و المواقف التي تدفعك إلي مكان ما.. أو تجعلك تتصرف بشكل ما.. باختصار انت لا تفعل شيئا برغبتك.. إنها “مواعيد” كما كان يقول والدي “رحمه الله” .. ربما لم أكن مصدقاً لكل هذا من قبل.. و لكنني أصبحت مؤمناً به أشد الإيمان ..!
الامر لم يستغرق وقتاً كثيرا.. ولكنني وجدت نفسي في الروضة الشريفة بالفعل.. لا اعرف حتي الان كيف فعلتها.. و لكنني بداخلها.. و هذا يكفي.. إنه يصلي بخشوع شديد بجواري.. اسمع صوته يبكي اثناء السجود.. لم اكن اتخيل أنه يحمل بداخله كل هذا القدر من الخشوع.. إنه يبدو للوهلة الأولي قوياً لا يهاب شيئاً.. حتي من يشاهده علي شاشة التلفاز.. و يستمع لتحليلاته السياسية التي تصب دوماً ضد كل الجماعات السياسية ذات الخلفيات الدينية سيظن انه علماني تماماً .. و لكنني اكتشفت أنني كنت مخطئاً..
المشكلة أن الجهاز الاعلامي يجعلك تختلق قناعات محددة… و تكون اراء بشأن العديدين .. دون ان تعرفهم حقيقة.. فتبدأ في أن تحب البعض منهم.. و تكره البعض الأخر.. و الواقع قد يحمل عكس انطباعاتك بالكامل!
ربما كانت الصحبة في تلك الاماكن لا تنسي.. كما انها قد تجعلك تغير من قناعاتك بالكامل.. إنها حقيقة ..
.. فقد كانت المرة الأولي التي أراه فيها.. و المرة الاولي التي أعتبره صديقاً.. و للأبد !
.