محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي.. تقي الدين أحمد بن تيمية.. نجيب محفوظ عبد العزيز الباشا..كارل هانريك ماركس.. تشارلز روبرت داروين.. هؤلاء من يتقاطع كثير من الناس في بلادنا العربية – بحسب قبلتهم الفكرية – في إثبات أبوة كل منهم للتطرف.
من ينتمي إلى تيارات “الشعارات الإسلامية” يرى في أبو الرواية العربية – محفوظ – أبا للتطرف الإباحي، فعلى حد قول مشايخه ومن يسير خلفهم “محفوظ” من صور المرأة على أنها داعرة، وأدبه يدور في البارات والحانات، والمخالف لهذه الأفكار يرى في ابن عبد الوهاب وابن تيمية أباء للتكفير والتفجير معا، في حين يجتمع جزء كبير من هؤلاء في الهجوم على ماركس وداروين؛ معتبرين أحدهما مروج للشيوعية والآخر للإلحاد، وكلاهما أباء للتطرف الفكري، الداعي إما إلى تنحية الدين أو القضاء عليه بالكلية، وماذا بعد أن نقضي على الأفكار المخالفة لرأينا؛ هل حينها يسود العالم السلام؟، وقتها يهدأ غضبنا؟، ينتهي الخطر؟، متى كان الرأي خطرًا؟.
بينما من يجب أن يُلصق به أبوة التطرف ليس واحدا من هؤلاء؛ فكل له رأيه، الذي لم يجبر أحدا على اقتنائه والاقتناع به، طالما لم يكن فكره تكفيرنا أو تفجيرنا بالكلية، وإنما المتطرف هو من حشر في أذهاننا هذا التصور.. التصور المفضي إلى أن كل من يختلف معنا على خطأ كامل، وأننا نحن الصواب المطلق، التصور الذي يقضي على المساحة المتسعة بيني وبينك كمخالف لرأي؛ فيكون الصدام لا الحوار، ويتحكم القتل لا العقل، التصور الذي يقضي على مجرد التصور بان القضاء على مساحة الاختلاف والوصول إلى نقطة الصراع يجعل الأقوى دائما هو الذي يطبق رأيه؛ ووقتها سوف يذبحنا بعد تغلبه استنادا لرأيه؛ أو في الحقيقة استنادا للقواعد التي أقرنها نحن، حين خنقنا مساحة الاختلاف، وجعلنا الرأي ساحة للقتال والصدام.
أعلم أن بين التطرف والتشدد خيط رفيع جدا، وكذا بين الجنون والعقل، وفي الحديث “يأتي زمان يمسي فيه المؤمن مؤمنا ثم يصبح كافرا”، وبين الحياة والموت هذا الخط، وبين التحول الفكري، وبين كل شيء حولك هذا الخط، ولا تحسبن أنك تحول دون هذا التحول الخطير؛ بل إنك بمعاداتك وعدم احتضانك واحتوائك للتشدد – أو لما تراه تشددا – يصير بالصراع تطرفا، كما يصير بالصدام الكافر مؤمنا والعاقل مجنونا والحي ميتا.