كنت ضيفا قبل أيام على الإعلامي المحترم أسامة كمال في برنامجه الناجح والمميز «القاهرة 360» على قناة «القاهرة والناس»، وكان موضوع الحلقة عن توتر العلاقات بين السعودية وإيران، وشاركنا الحوار ضيفان: أولهما دبلوماسي مصري سابق والثاني نائب برلماني في مجلس النواب الجديد.
وقد تصاعدت في البرنامج حرارة النقاش وتنوعت بين أكثر من محور، وتدفق الضيوف في طرح وجهات نظرهم بقيادة رائعة للحوار من إعلامي قدير، ولم يربك الحلقة سوى إصرار الدبلوماسي السابق على أن تلعب مصر دورا في الوساطة بين المتخاصمين المسلمين، كما وصفهما، وفشلت كل محاولات إقناعه من باقي أطراف الحوار بأن علاقة مصر مع إيران شبه مقطوعة منذ قيام ثورتها في نهاية عقد السبعينات من القرن الماضي، كما أن تحالف مصر الاستراتيجي مع السعودية، يجعلها أبعد ما يكون عن مثل هذا الدور.
وفي ما تبقى من وقت الحلقة، جاهد ضيفنا الأول في الدفاع عن إيران وتبييض وجهها دون أسباب مقنعة، وأدهشني إصراره على أن مصر استمرت في قطع علاقاتها مع إيران طوال هذه السنوات التي تخطت 35 عاما، من أجل عيون دول الخليج، غير منتبه إلى أن هذه الدول ذاتها لم تقطع علاقتها مع إيران إلا قبل أيام بعد أن هاجم إيرانيون السفارة السعودية في طهران وأشعلوا النيران فيها.
وخلال حديثي بالبرنامج وصفت خطر إيران على المنطقة بأنه لا يقل أبدا عن إسرائيل، وقبل أن أكمل فكرتي، فوجئت به يقاطعني بانفعال قائلا: «إذا وصلت هذه الرسالة لك، فيا ضيعة الصحافة»!!
أدهشني رأي الضيف وانفلات كلماته، وتقديرا مني للبرنامج، ولمقام عمله السابق قفزت على تعليقه المستفز، وأكملت متجاوزا ما طرحه من آراء طوال الحلقة، تعكس حالة من «الاستخفاف» في تناول ملف من أخطر الملفات على الساحات المصرية والعربية والإقليمية.
لم أقصد بخطورة إيران أن نخرج لنحاربها أو نعاديها، وتشبيهها بإسرائيل لا ينتقص من إسلامها شيئا، ولا هو من نواقض الوضوء عند مريديها وأصدقائها، وكان الأجدى بالضيف أن يفكر قليلا ليكتشف أننا حتى مع عدونا الرئيسي إسرائيل “ارتبطنا باتفاق سلام”.
إن ما قصدته بوضوح هو أن إيران ثورة وليست دولة.. ثورة تسعى للتمدد، ولأنها ثورة دينية بالأساس، فإن عمادها في نشر مبادئها الثورية هو «تشييع» المسلمين السنة، وما نقوله مارسته وتمارسه إيران ومعروف للجميع، ما جد عليه هو أنه بعد اتفاقها النووي مع مجموعة (5+1) والتي جمعت كلا من أميركا وبريطانيا وألمانيا وروسيا وفرنسا والصين، بدأت تتوسع في نشاطها الثوري «الديني» بشكل ملموس، وغزت “فرق التبشير الشيعي” أكثر من دولة أفريقية؛ من موريتانيا إلى الصومال، ومن غينيا إلى مالي وجزر القمر. وإيران ليست غريبة عن القارة السمراء، بل لها محاولة سابقة فاشلة في المغرب قبل سنوات أدت لقطع العلاقات الدبلوماسية بين الرباط وطهران، ومؤخرا يتنامى الدور الإيراني أيضا في ليبيا.
وقبل الجميع كانت مصر في مرمى الغزو الإيراني، وخلال سنوات القطيعة المستمرة بين البلدين تم ضبط أكثر من خلية تدعو إلى التشيع في مصر، وربما هذا ما دفع الأزهر الشريف إلى إصدار بيانه «شديد اللهجة» عقب زيارة الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد للمشيخة وشيخها أحمد الطيب في شتاء عام 2013 أثناء حكم الأخوان، والذي أكد فيه على: «رفض الأزهر للمد الشيعي في بلاد أهل السنة».
وختاما، لست بصدد الحديث عن العلاقات المصرية – الإيرانية، ولا عن مخاطر الثورة الإيرانية على المنطقة العربية، ولن أصنف الضيف مع أي قائمة من أصحاب شعار «عودة العلاقات بين القاهرة وطهران لما تمثله إيران من أهمية للأمن القومي المصري»، وهم مدفوعون في ذلك إما بمنافع شخصية أو بارتباطات سياسية.
لكني أتساءل فقط، أليست مصادفة غريبة أن يتفق قيادي إخواني سابق مع ضيفنا الدبلوماسي، في طرح الفكرة نفسها وفي التوقيت ذاته، وأن يرددا فجأة على الرأي العام حديثهما عن ضرورة «الوساطة المصرية» بين السعودية وإيران، (وهو حديث مقحم وخارج السياق كما أوضحت)؟ وهل هي مصادفة أن يتزامن ذلك أيضا مع صدور بيان من جماعة الإخوان المسلمين تطالب فيه بالمصالحة على ضفتي الخليج؟
هل يمكن التعامل ببراءة مع هذه الصدف، في وقت تحتشد فيه مصر جنبا إلى جنب مع شقيقتها السعودية لمواجهة تبعات التعدي الإيراني الآثم على سفارة المملكة العربية السعودية في طهران، وهو الوقت الذي تجلى ووضح فيه التناغم بين الدولتين الحليفتين الكبيرتين بالمنطقة، وقيادتهما أهم تحالفين – عربي وإسلامي – لمواجهة الإرهاب الإيراني في اليمن والداعشي في العراق وسوريا وليبيا، وكذلك محاولة الدولتين القوية لتقليص مخاطر تفكيك بعض دول الشرق الأوسط وإيقاف الزاحفين للهيمنة والراغبين في إعادة تشكيله من جديد وفقا لأطماعهم؟
أترك الإجابة لك عزيزي القارئ، وأرجو أن أكون قد أزلت عنك بعض اللبس المتعمد حول فكرة تبدو براقة، يراد بها باطل.
نقلاً عن جريدة “الشرق الأوسط”