أعتقد أن أفضل قرار اتُّخذ على كافة المستويات خلال الأيام الماضية هو منع بث جلسات البرلمان على الهواء مباشرة، فالشريحة الأعرض من الجمهور، هم من كبار السن والمرضى، ولا أظن أن أحدا منهم كان سيتحمل المآسي التي تدور هناك، سواء المضحكة أو الداعية للغضب والحسرة.
بجلسة اليوم، نقل لنا الزملاء الصحفيون من داخل المجلس خبر موافقة النواب على قانونين متناقضين في جلسة واحدة، أحدهما قرار بقانون العمل بالتوقيت الصيفي الذي أصدره الرئيس السابق عدلي منصور، والثاني قرار بقانون وقف العمل بالتوقيت الصيفي الذي أصدره الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، وهو ما يدعو للاستغراب والتساؤل عن دور البرلمان الأول وهو التشريع، وكيف يوافق الأغلبية على قانونين متناقضين في وقت واحد، وهل لأي من النواب رأي حول القانون من الأساس، أم هم هناك ليوافقوا فقط على تمرير القوانين.
منذ أيام كتبت نائبة برلمانية على صفحتها على “فيسبوك” أنها كعضوة بإحدى اللجان، وافقت وأعضاء اللجنة على جميع القوانين التي عُرضت عليهم في يوم واحد أيضا، وسألتُها مستفهما: “هو انتوا لحقتوا؟”، فردت بكل بساطة: “كل لجنة ليها تخصصات”، هكذا ردت وهكذا لم أفهم منها شيئا عن آلية مراجعة أو قراءة أو حتى الاطلاع على القوانين تحت وطأة الوقت، لكني وغيري خلال اليومين الماضيين، فهمنا أن المجلس دوره الموافقة على أي شيء يعرض على مجلس الشعب من جانب الحكومة، بغض النظر عن تبعاته أو أضراره.
لوحة التصويت الإلكتروني التي تتزين بها قاعة المجلس، باتت ترسم أرقاما لا تقل في صورتها عن عدد أيادي النواب الذين كانوا ينتظرون تعليمات “عز” و”كمال الشاذلي” –رحمه الله- أو التسعة وتسعين وتسعة من عشرة التي كانت نتيجة رسمية لأي تصويت أو انتخابات أو اقتراحات مذيلة باسم الحزب الوطني والنظام الحاكم وقتها، الجميع كان إما خائفا أو متوددا أو فاقدا للأمل في قيمة صوته، غير الذين لا يفهمون شيئا مما يتم أمامهم فيوافقون بمنطق “طالما وافقوا يبقى حاجة كويسة”.
هناك من يحاول دائما نسيان اللعبة القذرة للانتخابات التي لعب فيها دور البطولة نواب يجلسون الآن تحت القبة، والمفارقة أن المواطن البسيط الذي حصل على مبلغ زهيد مقابل صوته لازال ينتظر من هذا النصّاب الذي دفع مقابل الحصانة أن يأتي له ولمصر بخير، غير أن تلك النظرية قد تختلف حال البحث عن خدمات ووظائف أو حق من الحقوق لا يمكن لأحد الحصول عليه إلا بضغط النائب الخدوم، الذي لا يملك إلا البحث عن مصلحته أولا.
قرار وقف بث الجلسات أنقذ ما تبقى من صبر على ما يحدث في البلد، وأبعد عن أسماعنا عبارات من شاكلة “مفيش أكل ولا فلوس والحالة ناشفة، وكل واحد عارف مادتين هيتنطط علينا، والنائب المحترم اللي بيحلف بالطلاق وغيره وغيره وغيره……”، وخلق جوا مثاليا لموافقات بالجملة على قوانين لا يعلم فحواها إلا القليلون، لكنه لم يترك إجابة على السؤال الأهم: ماذا لو تعرّض هذا المجلس بشكله الحالي لقرارات في أمور مصيرية وقضايا تمس أمن الوطن بشكل مباشر؟!