متى كانت آخر مرة سمعت فيها من برامج التوك شو إياها تعبيرات “الطابور الخامس” و” حروب الجيل الرابع” و” المجلس الأعلى للعالم” ؟
للأسف لازال لدينا جمهور غير محترف بما يكفي ليدرك أن الإعلام الموجه يسير حسب أحدث خطوط الموضة، موضة التخويف ونشر الذعر، وعندما تنتفي الحاجة لذلك تركز نفس الأبواق على تعبيرات ومصطلحات أخرى أو تذهب بك بعيدا إلى عالم الجن والعفاريت وشبكات الدعارة .
الموضة هذه الأيام هي تحذير كل من سينزل للتظاهر يوم 25 يناير من عواقب وخيمة.
هتسألني هو في أصلا دعوات تظاهر؟ هقولك – بصوت عم أيوب في مسرحية الجوكر- طب هو فين المجلس الأعلى للعالم؟
كلها أوهام ينتجها تجار الذعر من أجل التخويف والترهيب .
وهم أخر ينتجه فريق من الصحفيين عاش في الظل في زمن مبارك ويحاول – ولازال فاشلا في ذلك – الوقوف تحت الضوء هذه الأيام.
وهم اسمه “شباب الإعلاميين” وهو مصطلح غير علمي وغير دقيق تم اطلاقه على مجموعة من الصحفيين والكتاب والإعلاميين التقوا الرئيس السيسي قبل حوالي عام من الآن في قصر الإتحادية.
المصطلح غير علمي لأنه لا يوجد تكتل اسمه “كبار الإعلاميين” أو “عجائز الإعلاميين” حتى يكون هناك شبابا للإعلاميين، كل ما جرى أن الرئيس قابل من هم دون الأربعين على الساحة الإعلامية وكان من بينهم مخرجون وإذاعيون وليس فقط مقدمو برامج تلفزيونية، هؤلاء بحكم أنهم جيل واحد وجدوا طريقا للتعاون وباتت لهم أنشطة منها الخيري ومنها التنموي وأيضا يدعمون بعضهم البعض على الشاشات انطلاقا من قاعدة أن الساحة تتسع للجميع، قاعدة لا يعرفها أصحاب الإئتلافات والكيانات التي تتكون وتتفتت حسب الظروف التي قد تتغير بين يوم وليلة .
الرئاسة حتى الآن لم تتدخل انحيازا لهؤلاء الشباب، أو هكذا يظهر على السطح والله أعلم بالكواليس، بالعكس الرئيس تطاله انتقادات متتالية لأن أسماء من الإعلاميين القدامى لاتزال محسوبة عليه رغم ارتكابها جرائم لا تغتفر على الشاشات ليل نهار .
غير أن حياد الرئاسة لم يشفع لشباب الإعلاميين عند “فلول مبارك” في الصحافة والقنوات الفضائية، نعم حتى الآن هناك أقلام كثيرة وأبواق أكثر ولائها لنظام حسني مبارك غير أن الجمهور العادي – المظلوم معنا دائما- لا يعرف معظمهم لأنهم كانوا كما قلت في الظل قبل ثورة يناير، كانوا يسيرون وراء قادة إعلام مبارك وهؤلاء منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر لعل الكرة تدور وتعود لملعبه من جديد .
هؤلاء – الجيل الثاني من فلول مبارك – بدأوا في شن حملة منظمة ضد شباب الإعلاميين – أذكرك بالتحفظ على المصطلح- من خلال مقالات تجد طريقها للمناقشة في برامج يقدمها إعلاميون لازلوا على قناعة بأن الرئاسة عليها أن تصطفى مجموعة محددة تتعامل معها وتمنع من هم تحت الأربعين من الظهور إلى جوار الرئيس .
هي الأزمة الدائمة إذن بين الكبار الذين اعتادوا الاستحواذ، والشباب الذين يحاولون البحث عن موطئ قدم بكل الوسائل المشروعة، وبدون حملات ومقالات واتهامات يطلقها من اعتادوا احتكار المساحة المحيطة برأس الدولة .
هل سيفشل “فلول مبارك” في المهمة؟
بالطبع، والأمر لا علاقة له بحياد الرئاسة، وإنما لأن هؤلاء فشلوا في حماية أنفسهم من السقوط مع مبارك، فهل سينجحوا الآن في العودة؟ إنهم يخوضون معركتهم الأخيرة ويريدون البقاء تحت الأضواء لأطول فترة فقط لا غير لعل وعسى يجدون من يطلب خدماتهم، معتمدين على بقاء الكثير من أعداء ثورة يناير في الكثير من الأجهزة المتحكمة ولا تزال فيما ينطق به بعض أبواق الإعلام المصري.
إنهم باختصار ينسون القاعدة الإلهية التي تقول إن الله لا يصلح عمل المفسدين.
لكن هل ينتصر “شباب الإعلاميين” في المعركة أم تخرج النتيجة بالتعادل السلبي، الأمر هنا متوقف على مدى استيعاب أبناء جيلي لأخطاء من سبقوهم.
أن يدركوا أن الإختبار الحقيقي لم يبدأ بعد، وأن الدعم الذي يلقونه من جمهور يريد التغيير، سيتحول إلى “رقابة” عندما ينفردوا بالساحة خلال العامين المقبلين، وقتها سيكون حساب الجمهور عسيرا .
وقتها سيصبح السؤال هل ظل الإعلامي الشاب على مهنيته ولم يتغير عندما اطمأن لكرسى المذيع، أم ارتكب نفس خطايا أسلافه الذين كان إخلاصهم لرئيس مخلوع أكبر بكثير من إخلاصهم لبلد موجوع؟