قبل أيام قلائل احتفلنا بعيد ميلاد الزعيم جمال عبدالناصر، حيث أطفأنا له 98 شمعة، وكانت الفرصة مهيأة لكى تُقدم الإذاعة الرسمية عدداً من الأغنيات التى ارتبطت باسم وزمن ناصر.
أتذكر أننى سألت الإذاعى الكبير جلال معوض، الذى كان قريباً من دائرة الحكم، فقال لى إن ناصر كان يضج من كثرة هذه الأغانى، ولهذا فى أحد الاحتفالات الوطنية كانت التنبيهات صارمة، وهى: إياكم والغناء باسمه، التزم الجميع، ثم جاء دور المطرب الكبير محمد الكحلاوى الذى كان كعادته يردد عدداً من أغانيه الدينية، مثل «لاجل النبى»، وفجأة أضاف اسم ناصر، ومن بعدها انفلت العيار وانطلق الجميع يهتفون باسم الزعيم!!
كانوا يتسابقون ويزايدون، مثلاً أم كلثوم على مدى ساعة كاملة تردد: «حققنا الآمال برياستك يا جمال»، وتعيد هذه الكلمات الركيكة، ونكتشف أن الذى كتبها هو شاعر العامية الأول بيرم التونسى، والذى لحنها هو عملاق الموسيقى الشرقية رياض السنباطى. كان هناك ما يمكن وصفه بالخوف من الاتهام بعدم الولاء، عدد كبير من الشعراء كانوا يقدحون زناد فكرهم للبحث عن كلمات تضمن فقط أن تنتهى القافية بناصر أو جمال، بالتأكيد ليست كل الأغنيات التى رددوا فيها اسم «أبوخالد» كانت مجرد هراء وخوف من السلطة، لا يمكن أن أصدق مثلاً أن أغنيات «إحنا الشعب إحنا الشعب اخترناك من قلب الشعب»، و«يا جمال يا حبيب الملايين»، و«ضربة كانت من معلم خلى الاستعمار يسلم»، وغيرها لا أتصورها أغنيات لإبراء الذمة الوطنية.
سألت الموسيقار الكبير كمال الطويل، وهو على الأقل صاحب 90% من أغنيات عبدالحليم الوطنية، أجابنى بأنه لم يشعر أنه يلحن لعبدالناصر ولكن للوطن الذى تجسَّد فى الزعيم، وتلك كانت المعانى التى حركت قلم «جبرتى ثورة يوليو» صلاح جاهين. أُصدق ما قاله الطويل، إلا أنه الاستثناء الذى يؤكد القاعدة، وهى أن أغلب من قدموا أغنيات وطنية كان يدفعهم الخوف من غضب الزعيم، فما مسؤولية الزعيم؟ ربما مثلاً ضجَّ ناصر مرة، ولكنه إجمالاً كان سعيداً، ودائماً ينتظر المزيد. بعد عبدالناصر جاء السادات، وسمح مرة واحدة فى ذكرى ناصر الأولى بالغناء باسم جمال، ثم صار يمنع كل الأغانى التى بها اسم ناصر، كان السادات أقل نهماً للغناء باسمه. ردد أغلب مؤرخى الموسيقى أن عبدالحليم حافظ رفض أن يغنى اسم السادات؛ لأنه كان مرتبطاً عاطفياً بعبدالناصر، ولم يكن ذلك فى الحقيقة صحيحاً، عبدالحليم مثل غيره لم يكن لديه موقف سياسى، فهو يسعى لإرضاء السلطة، أشهر أغانيه بعد 73 «عاش اللى قال»، التى يكرر فيها حليم ثلاث مرات «عاش عاش عاش»، كانت فى الأصل- كما ذكر الإذاعى وجدى الحكيم المشرف وقتها على تنفيذ الأغانى- «السادات السادات السادات»، ولأن وزير الإعلام الأسبق عبدالقادر حاتم كان يعلم أن شفرة السادات أنه لا يريد، عرضوا الأمر عليه، فطلب حذف اسمه.
أما مبارك فلم يكن يشبع ولم يرض سوى بالدلع، وأن يصبح هو العريس، هكذا كان يصفه دائماً صفوت الشريف بعد أن قرأ جيداً الشفرة، فكان يكلف الشعراء والملحنين والمطربين بالرقص فى كل أكتوبر، وكانوا يحرصون على ربط الحزام وهاتك يا شخلعة، «اخترناه اخترناه واحنا معاه لمشاء الله» نموذج فقط.
لا مرسى ولا عدلى من الممكن أن نعرف بالضبط علاقتهما بالغناء بأسمائهما، مرسى لم يكن يسيطر على البلد فى العام الأسود الذى حكم فيه الإخوان مصر، وعدلى كان يعلم أنه مؤقت. من الواضح أن هناك تعليمات مباشرة وصريحة من السيسى أوقفت طابور المنافقين، وكان يتقدمهم أمير الغناء هانى شاكر، الذى طالب فى أكثر من حوار بترديد اسم السيسى، وجاءت الإجابة القاطعة أن هذا يتعارض مع الشفرة. نعم أغلق الرئيس هذا الباب، ولكن شفرة النفاق للرئيس لا تزال تسيطر على الموقف، المناخ العام الذى نعيشه طرح هذا السيرك الذى يطلقون عليه عفواً «برلمان»، عدد من أعضائه هدفهم سرقة الكاميرا؛ من يحلف بالطلاق، ومن يضع «بلاستر» على فمه وهم سعداء بهذا «الشو» الذى يضمن لهم أن يتصدَّروا الكادر ليصبحوا نجوم «الميديا»، ولهذا صدرت أوامر عليا بسرعة لإلغاء تلك الفضائح بإيقاف البث المباشر، هم لا يكفون عن قراءة شفرة الرئيس للنفاذ إليه، مثلاً قال السيسى مرة إن الدستور كُتب بحسن نية، قرأوها أنه يريد تغيير مدد الرئاسة من اثنتين إلى ما شاء الله، وعدد السنوات من أربع إلى ست، وبدأوا فى المطالبة بتعديل الدستور، ثم عدل هو الشفرة فتوقفوا. تابعوا أيضاً كيف أنهم اتفقوا تحت قبة البرلمان على فتح النيران على هشام جنينة، الكل سعيد بذبح الرجل، هكذا قرأوا الشفرة، ولو أرسل الرئيس شفرة أخرى لأشادوا بـ«جنينة». النفاق فيروس ينتقل بين الجميع، وهو ما حاول «شعبولا» تنفيذه، وقدم أغنية قبل بضعة أشهر تسخر من ثورة 25 يناير عُرضت مرة واحدة فى برنامج وائل الإبراشى (العاشرة مساء). تنبه البعض إلى أن هذه قراءة خاطئة لشفرة السيسى، فكانت المرة الأولى والأخيرة.
السيسى يترك شفرة مفتوحة، كُلٌّ يقرأها على حسب مصالحه، وهو يكتفى بمتابعة البث، وقد يتدخل فى لحظات حاسمة لتعديل الشفرة.
(خارج النص)
* ولا يزال بعد صدور الحكم مصراً على التنصل من مسؤوليته، فهو ينام قرير العين بعد أداء واجبه اليومى بالتشهير بأم الطفلين، رافضاً الاعتراف بهما. لا يعنينا بالمناسبة إذا كان ما بينهما زواجاً شرعياً أم عرفياً أم شفهياً، فى النهاية هناك طفلان من حقهما أن يعيشا فى المجتمع بعزة وكرامة.
* نجاة ستعود للغناء قريباً بأغنية «كل الكلام» بكلمات عبدالرحمن الأبنودى، وتلحين الأمير السعودى طلال. من حق نجاة أن تتراجع عن قرار اعتزالها الذى اتخذته قبل 15 عاماً ليصدح صوتها مجدداً، ولكن الملحن إياه الغاضب دوماً، والذى عيَّن من نفسه شيخاً للغناء يقول «لا، لا يجوز شرعاً»، من أنت؟ وبأى أمارة؟ وما تاريخك حتى تصادر على حق نجاة فى العودة للغناء.
نقلًا عن جريدة “المصري اليوم”