“جنون الترافيك”، هذا المصطلح الذي بات مألوفًا للجميع، وتنتقده كل المواقع، حتى إذا كان ذلك “من ورا قلب” بعضها، يعبر عن اتجاه وسائل إعلام، لنشر بعض المواد الصحفية التي لا ترقى أو ترتقي بمستوى القارئ، فالترافيك والسباق الذي لا ينتهي للوصول إلى أعلى نسب قراءة أو مشاهدة، دفع بعض وسائل الإعلام، الصحفية منها والمرئية، للتركيز على موضوعات “تافهة” أو مبتذلة.
لكن مع الوقت، أصبحت “جرعة التفاهة” لا تكفي للوصول إلى أعلى نسب قراءة، حتى انتشرت ظاهرة جديدة في الصحافة والإعلام عمومًا، وهي “التحرش الإعلامي”، عن طريق اختيار عناوين يمكن اعتبارها فعليًا “معاكسة”.
التحرش هنا، يمكن أن يحدث من خلال صياغة الخبر، أو التحرش الأكثر انتشارًا عن طريق اختيار عناوين مثيرة وبها إيحاءات، أو باختيار صورة فاضحة، بحجة أنها تناسب موضوع الخبر أو “ماهي اللي متصورة كدة”، على طريقة السينما الفاضحة التي تتحجج بنقل الواقع كما هو.
الأمثلة كثيرة، ما لفت النظر منها خلال الفترة الماضية، التناول الإعلامي للموقف الطريف الذي تعرضت له النائبة بالبرلمان دينا عبد العزيز، والذي لا أدري حتى هذه اللحظة لما تصفه المواقع بـ”الموقف المحرج”، عندما لم يسمعها مدير الجلسة الافتتاحية وهي تتلو القسم، حتى أعاد النداء على اسمها مرة أخرى، فردت قائلة “أنا هنا أهو يا فندم”.
موقف طبيعي، أكثر ما يمكن فعله هنا هو الابتسام، ولكن بالطبع “الترافيك” لن يرضى بذلك، حتى باتت المواقع تسمي هذه النائبة بـ”النائبة الرقيقة”، مع التناول المستمر لطريقة حديثها، وملابسها، وانتشار موضوعات مثل “شاهد أبرز صور النائبة الرقيقة”، حتى أن أحد المواقع وصفها بـ”النائبة البسكوتة”.
تحرش آخر، ولكن تلفزيونيًا، وهو ما قام به برنامج “الفرنجة”، الذي بالرغم من أن فكرته جذابة وخفيفة الظل إلى أبعد حد، إلا أنه “أوفر جدًا” في التحرش بـ”الفرنجات”، وبعيدًا عن بعض المشاهد التمثيلية، التي تُظهر سلوكيات المصريين “المتحرشين”، فلن نجد مشهدًا لا يقوم خلاله مقدمي البرنامج بـ”رمي كلام” تجاه إحدى العابرات، وهو بالفعل ينقص كثيرًا من جودة البرنامج.
أما إذا تحدثنا بشكل قانوني، فوفقًا للمادة 306 مكرر (أ) من قانون العقوبات المصري “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية.
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيها و بإحدى هاتين العقوبتين إذا تكرر الفعل من الجاني من خلال الملاحقة والتتبع للمجني عليه، وفي حالة العودة تضاعف عقوبتا الحبس والغرامة في حديهما الأدنى والأقصى”.
إذا فالقانون واضح في هذا الشأن، من حيث استخدام “الإيحاءات والتلميحات”، كما أنه لم يستبعد وسائل الإعلام من جريمة التحرش، ولم يعطها حصانة في هذا الشأن، وبالتالي فإلى المواقع التي اعتادت استباحة اللفظ، واختيار الأسوأ إرضاءًا لجنون الترافيك.. أنتم متحرشون حتى إن كان ذلك بالنسبة لكم وسيلة لا هدف.