نقلاً عن مجلة 7 أيام
تزامن انعقاد أولى جلسات مجلس النواب الجديد مع إطلاق راديو مصر التابع لقطاع الأخبار في ماسبيرو سلسلة من الوثائقيات الصوتية التي رصدت تاريخ مجلس النواب وأبرز المحطات وأسماء من جلسوا على المنصة وأمسكوا المطرقة .
عندما جاءت سيرة الراحل صوفي أبو طالب قيل نصا أنه ترأس الجمهورية بعد اغتيال الرئيس محمد أنور السادات لمدة 8 أيام حتى انتخاب رئيس جديد، ومع استعراض أسماء رفعت المحجوب وفتحي سرور وتواريخ تولي الأول ثم اغتيال وتولي الثاني حتى قيام الثورة لم يتم ذكر اسم محمد حسني مبارك لمرة واحدة، تكرر الأمر عند الإشارة لمجلس سعد الكتاتني الذي سيطر عليه الإخوان والسلفيون، تم ذكر اسم الكتاتني دون أي إشارة لكون المجلس المنحل بعد 6 أشهر فقط انطلق وانطفأ في عهد المجلس العسكري.
هذه المرة التاريخ لا يعيد نفسه وإنما مسح التاريخ هو من يعيد نفسه، وكتابة هذا المقال لا علاقة لها بأن مبارك صدر ضده حكم بات ونهائي مؤخرا أكد أنه مد يده إلى مال الشعب وسرق الدولة، لأن تسجيل هذه الوثائقيات المسموعة لا علاقة له أيضا بهذا الحكم، وإنما بحساسية نتوارثها جيل تلو جيل من تقديم التاريخ كما هو، لكن استمرار تلك الحساسية في زمن الإنترنت فائق السرعة ومواقع السوشيال ميديا التي ستطيح خلال أعوام بوسائل الإعلام التقليدية أمر غير مفهوم وغير مقبول .
أيا كان الموقف الشعبي من حسني مبارك وحتى من محمد مرسي لا يعني ذلك مسح أسمائهما وأسماء غيرهم ممن يثيرون حفيظة قطاع كبير من المصريين، وإذا كانت هذا المسح يتم بطلب مباشر من النظام الحالي فعلى رجاله أن يدركوا أن الناس تريد انفصالا واضحا وواسعا بينه وبين نظام مبارك لا أن يتم الغاء اسم مبارك من تقارير إذاعية من المفترض أن هدف انتاجها هو التوثيق ولا رفع صورته من جدارية قناة السويس، الناس تريد خصاما مع فساد وترهل وعفونة نظام حكم مصر 30 سنة فأعادها للوراء 300 سنة وليس فقط مسح اسمه رأس النظام من على المدارس ومحطات المترو من مضامين تقارير الإذاعة وعناوين الصحف .
اللافت أن حسني مبارك – الذي سيحكم التاريخ بما له وما عليه – يتعرض لمثل ما جرى مع أول رئيس لمصر اللواء محمد نجيب لكن مع فارق أساسي، جيلنا عندما كبر عرف لاحقا أن هناك رئيسا كان يدعى نجيب لأن قنوات التلفزيون وصحف الدولة لم تكن تذكر اسمه من قريب أو بعيد، حتى جاء افتتاح محطة مترو تحمل اسمه ليكون بمثابة ابلاغ للملايين بأن محمد نجيب كان رئيسا لمصر، لكن الأجيال الحالية، الطفل الذي كان عمره 5 سنوات ويرى على شاشة التلفزيون في فبراير 2011 من يهتف ” مش هنمشي هو يمشي ” يعرف أن رئيسا اسمه حسني مبارك كان يحكم مصر، هذا الطفل عمره الآن 10 سنوات ويدخل على مواقع التواصل الإجتماعي – لم تكن موجودة عام 1954 – ويرى صفحات تؤيد مبارك وصفحات تعارضه وسيرته تتجدد كل فترة لسبب أو لأخر .
هذا الجيل لم يعد ممكنا اخفاء الحقائق عنه، ومن المؤلم أن تستمر العقلية التي تدير الإعلام حكومي أو خاص تسير على النهج نفسه، ومن المؤسف أن يظن من يدير الأمور أنه بالسيطرة على ماسبيرو والقنوات الخاصة قد دانت له الأمور وسيمرر للرأي العام وللأجيال الجديدة التاريخ كما يريده هو، ثم يتساءل هؤلاء لماذا لا يصدقنا الشباب ولماذا لا يتعاونوا معنا من أجل مستقبل أفضل !!
ضع ما سبق إلى جوار قرار مجلس النواب بمنع بث جلسات الأسبوع الأول، ستكتشف أن لا شئ يتغير رغم أن العالم كله وشبابنا في قلبه يتغير ويبحث عن المعلومة بنفسه دون أن ينتظرها من الذي يتخذ قرار بمسح اسم رئيس من التاريخ ويظن أن الأعين النابهة لا ترى الاسم مكتوبا وبجواره التفاصيل في مليون مكان آخر .