بدايةً وقبل أن أقول شهادتي عن ثورة يناير أحب أن أعرفكم بنفسي ، أنا مواطنة مصرية من أسرة مصرية عاشت هذه الأسرة فى مصر لكن على نفقة الخليج فقد عمل أبي وعلّمت أمي بدول الخليج سنوات طويلة وهذا يعني أن المشكلات الاقتصادية التي طالما عانى منها الشعب المصري في السنوات العشر الأخيرة من عهد مبارك لم أشعر بها شخصياً ، لم أدخل مسشفى حكومي مطلقاً لا زائرة ولا مريضة ، لم أدخل قسم شرطة ولا محكمة ولم أعرف موقعهما تحديداً في بلدي ” وهي بالمناسبة محافظة المنوفية ” إلا بعد أن أحيطا بالخرسانات العازلة .
كنت أحب الرئيس مبارك ولم أكن أعلم لماذا ربما لأنني لم يكن لدي أسباب واضحة لكراهيته ، حتى إنني ذات مره أرسلت إليه رسالة محبة من النوع الذي يطلقون عليه اليوم ” تطبيل ” كنت بالجامعة وفاجئني الرد ، كارت صغير مكتوب عليه.. للشكر على التأييد محمد حسني مبارك .. وخُيّل إليّ وقتها أنه قرأ رسالتي وأهتم وشكرني ، وأصبح لديّ سبب شخصي لمحبته وتأييده أو هكذا أحسست بمشاعري الطفولية وقتها .
أنهيت الدراسة الجامعية وتزوجت وسافرت وزوجي إلى الخارج وكما كانت علاقتي بمصر وأنا أعيش فيها عن طريق إعلام “اخترناه ” ظلّت علاقتي بها وأنا خارج مصر عن طريق إعلام “الله معاك ومعاك قلوبنا” .
ثورة يناير عشتها أيضاً من خلال الإعلام فلم أكن وقتها بمصر والكل يعلم ماذا كان يبثّ الإعلام وقتها وماذا كان يُخِفي وأنا ومَن على شاكلتى لم نكُن نملك إلا أن نصدق .
كنت أبكي على كل شيء “مني الشاذلي استايل” أبكي عند سماع الأغاني الوطنيه، أبكي على الشهداء، الإنفلات الأمنى، الحرق والتخريب، حتى خطابات مبارك ماقبل التنحي كنت أبكي أسفاً عند سماعها.
وللحق لم أرتَحْ يوماً للشباب الذي كان يتصدر الإعلام وقتها وكانوا يطلقون عليهم شباب الثورة، لم أكن أشعر أنهم غاضبون من أجل البلد بل كنت أشعر أنهم غاضبون منها، يثأرون منها لا يثأرون لها !
ورغم أنّي لم أعانِ من الظروف السيئة في مصر طوال حياتي فإنني كنت أعلم جيداً أن كثيرا من الشعب يعاني الفقر والجهل والمرض ، كنت أراهم يسْتَجْدون العمل بالخارج وأرى صورهم غرقى على شواطئ البلدان الغريبه بحثاً عن الرزق الذي حُرّم عليهم في مصر.
كنت أعلم جيداً أن هذه النسبة الكبيرة ممن يعانون من الشعب إنما ذنبهم في أعناق مسؤولي الحكومة لكن لم يخطر ببالي يوماً أن توجد مصر من دون مبارك “حسني أو جمال” .
دخلت عالم فيسبوك الذي قيل عنه إنه أقام الثورة وأسقط مبارك وأتي بما لم يأتِ بيه الأوائلُ ، فوجدت عالماً متضارباً من البشر والمعلومات والفيديوهات والآراء الشخصية والآراء المتفَق عليها بشكل جمعي من مجموعات لا تقبل أي اختلاف معها واختلاف الرأي عندها لايُفسِد قضية الود بل يقلبها عداوة قاتلة .
وخرجت من كل هذا ببعض الحقائق وعكسها “على الأقل من وجهة نظري” وآمنت وتيقنت بالشيء وضده وصدّقت على صحتها جميعاً كيف ؟! لا أعلم .
ـ تأكدت أننا نفتقد الحرية والديمقراطية لكنني تأكدت أيضاً أننا غير أهلٍ لها !
ـ تأكدت أن الحكم العسكري حكم لا يعرف الديمقراطيه لكننا نستحقه بل ولن ينفعنا غيره .
ـ تأكدت أننا مهما عرفنا فما نجهله أكثر وما يخرج إلينا من معلومات هي في الحقيقة ما يسمح به النظام لا أكثر لكن تأكدت أيضاً أننا شعب لا يُحسن استخدام المعلومات والحقائق فإخفاؤها أسلم وأصوب .
ـ تأكدت أننا نعيش في فساد للرّكَب وخراب في التعليم والصحة والاقتصاد لكننا عشنا ونعيش وسنعيش ولن نكون ابداً مثل سوريا والعراق لسبب وحيد هو “قدرة ربنا “.
ـ تأكدت أنه ليس بالخبز وحده تحيا الشعوب ولكن بالحشيش ايضاً !
ـ تأكدت أن إعلامنا إما إعلام شماااال وإما إعلام يمييييين لكنه يخاطب أمية الشعب وغُلبَه وقِلِّة حيلته أما الإعلام المعتدل فيتعالي علي الشعب ويتحدث بالفصحي التي لا يعرفها ليس فقط الأميون من الشعب بل نواب الشعب وأعضاء مجلسه الموقّر أيضاً !
ـ تأكدت أننا نملك قضاء نزيهاً .. ومنزّهاً ، وشرطة حائرة ما بين ماضي ماهوش راضي ينسّيهم وينساهم وبين حاضر ماهوش قادر يقدرهم ويهواهم !
ـ تأكدت أننا شعب متدين بطبعه لكنه تدين لا يعترف بأخلاق أو قيم ولكنه يعترف بحجاب وجلباب وشعب يتمسح في الأعتاب .
ـ تأكدت أن مقولة مصر أم الدنيا وهتبقي قد الدنيا مقولة من الناحية المنطقية لا تُعقَل فكيف تكون مصر أمّاً للدنيا وستصبح ذات يوم قدها !!
ـ وأخيراً في الذكرى الخامسة للثورة تأكدت وأؤكّد لكم أن يناير ثورة شعبية عظيمة لكن.. بيدين ملوثتين !!