حتى هذه اللحظة، لا يُعرف تحديدًا، من كان له أثر أكبر على الآخر، هل أعطت ثورة 25 يناير سلطة وقيمة أكبر للسوشيال ميديا، أم أن سبب أي نجاح مرحلي في مسيرة الثورة، كان بفضل مواقع التواصل الاجتماعي؟ لكن الأكيد هو التغير الكبير الذي طرأ على مواقع السوشيال ميديا، من حيث الشكل والمضمون منذ بدايات الثورة وحتى الآن.
وبالرغم من جميع التفاهات التي تملئ وسائل التواصل الاجتماعي، فلا يمكننا إنكار أنها أصبحت إحدى وسائل تشكيل الوعي لدى الكثير من المستخدمين، فالعديد من الصفحات الاجتماعية والسياسية، أصبحت مصدرًا لثقة الكثيرين، ولكن لأن البدايات دائمًا ما تكون أكثر وضوحًا ونقاءًا، فعلينا أن نبدأ بالصفحة التي يمكن اعتبارها وضعت أولى خطوات “قوة السوشيال ميديا” على الطريق.
“كلنا خالد سعيد”، صفحة جذبت الآلاف من المتابعين منذ إنشائها، وقاربت بعد مرور خمسة أعوام من ثورة يناير على 4 مليون مشارك، حيث تعتبر هذه الصفحة البداية الحقيقية للتعبير عن “قوة السوشيال ميديا”، وكلما كانت أدوات نظام مبارك، خاصة الإعلامية منها، تتعرض لسيرة الشاب السكندري، خالد سعيد، الذي قُتل على أيدي رجال شرطة، كانت قوة الصفحة تزداد، ويتحول روادها إلى زوار دائمين لمتابعة آخر تطورات القضية، ثم البحث في كيفية الرد، وتنظيم الغضب العارم، الذي تُرجم بعد ذلك إلى “ثورة”.
ومنذ هذه اللحظة، أصبح “شباب الإنترنت” كما يحلو للبعض تسميتهم، يشعرون بقوتهم من خلال حساباتهم الإلكترونية، ويشعرون أن بإمكانهم تغيير واقعهم من خلال السوشيال ميديا، ربما نجحوا أحيانًا وفشلوا في أحيان أخرى، ولكنهم في المجمل أصبحوا يشعرون بقيمة المواقع الالكترونية، ويعتمدون بصورة رئيسية على “فيسبوك وتويتر” لترويج أفكارهم وتنسيق تحركاتهم، أو الاعتراض والصراخ لإيصال الصوت.
ومن الملاحظ أيضًا أن بعد ثورة يناير، لا يسعنا أبدًا أن نقول بأن مواقع التواصل أصبحت حكرًا على الشباب، بل أن الكثير من كبار السن، قد أصبحوا فاعلين بشكل كبير، و مشاركون بالرأي في النقاشات السياسية والاجتماعية.
وبعد خلع نظام مبارك، كان لتأثير صفحات السوشيال ميديا أثرا ممتدًا خلال باقي الأحداث السياسية الكبيرة التي شهدتها مصر حتى هذه اللحظة، وتحولت صفحة “كلنا خالد سعيد”، إلى تراثًا أكثر منها صفحة فاعلة ومؤثرة، خاصة بعد أن تعددت واختلفت الآراء السياسية، ولأن المعروف عن الصفحة رغبتها في عدم الدخول بنقاشات سياسية تثير الخلاف، كان آخر منشور لها، هو بيان القوات المسلحة، الذي أعلنه الفريق عبد الفتاح السيسي “وقتها”، يوم 3 يوليو لعام 2013، معلنًا إنهاء حكم الإخوان، دون كتابة رأي يؤيد أو يعارض لهذا البيان.
أما الآن، وخلال السنوات القليلة التي عقبت ثورة 25 يناير، فقد شهد التعامل مع مواقع السوشيال ميديا تطورًا كبيرًا، من حيث طرق التواصل، خاصة بعد أن سحب موقع تويتر البساط ولو قليلًا من صفحات الإعجاب التقليدية على الفيسبوك، وتلهف كل صاحب فكرة إلى أن تكون “تريند” على تويتر، بالإضافة إلى تغير نوعية مستخدمي هذه المواقع، فلم تعد قاصرة على “الثوار”، وأصبحت كل مجموعة بإمكانها أن تحقق انتشارًا و”تسمّع” على السوشيال ميديا.
ومن حيث التأثير، فأي وزير في حكومات مصر المتعاقبة، قبل ثورة يناير، لن يُصدق أن رواد مواقع التواصل الاجتماعي يمكنهم خلال 48 ساعة، أن يعزلوه من منصبه، أو أن يُزيحوا إعلامي أو إعلامية من أمام الكاميرات، لعدم رضاء رواد مواقع التواصل الاجتماعي عليهم، ولكن ذلك حدث بالفعل، على سبيل المثال، عندما أقيل المستشار محفوظ صابر، وزير العدل السابق، من منصبه لتصريحه بأن “ابن عامل النظافة لا يمكن أن يُصبح قاضيًا”، بالإضافة إلى الإعلامية ريهام سعيد، التي أزاحتها السوشيال ميديا، من برنامجها، لتشهيرها بإحدى ضيفاتها.
إذا تجاوزت مواقع التواصل دور المُجمّع والمنظم للشباب، حتى يلتقوا على الأرض، لينظموا مظاهرة، وأصبحت هناك إمكانية لتغيير “جزء” من الواقع، عن طريق الاتحاد على المواقع التي بالتأكيد يتابعها صناع القرار، حتى أن البعض ينظم أحيانًا “مظاهرة إلكترونية” حول قضية ما.
والأكيد هنا، أنه كلما تطور وعي المواطن، ومستخدم مواقع السوشيال ميديا، انعكس ذلك على النقاشات، والحملات الاكترونية التي تُنظم على السوشيال ميديا، وبالتالي فإن على رواد هذه المواقع، أن يُحسنوا استخدام هذه “السُلطة” التي اكتسبوها من العالم الافتراضي، وأن يكونوا على تواصل دائم مع عالمهم الحقيقي، لأن من دونه سيكونون كالذي يُحّدث نفسه في المرآة.