في الماضي تنافست عدد من الصحف الورقية على جذب القراء إليها، حتى ولو السبيل لذلك اللعب على أوتار الغرائز.. وهو ما أوجد ما عُرف وقتها بالصحافة الصفراء والتي في حقيقتها هي صحافة مقاولات تشبة أفلام المقاولات التي كانت بدايتها خلال عقد السبعينيات من القرن الماضي، فلا معلومات ولا منطق ولا قيمة، مجرد صور عارية وموضوعات عن الجن والعفاريت والجنس! وللأسف نجحت هذه النوعية من صحافة المقاولات في جذب فئة المراهقين إليها لتكتب لها شهادة استمرارية الحياة حتى الآن.
ومع الإنفتاح الإعلامي حدث تطور لصحافة المقاولات لتظهر فضائيات المقاولات سواء الخاصة بالرقص أو تسويق عقاقير الفحولة الجنسية أو عرض أفلام المقاولات بمشاهدها الساخنة دون حذف.. ولم يلتفت المجتمع إلى هذه الكارثة الإعلامية، والتي تمثل في ذاتها ما يشبه خدمة توصيل طلبات الإنحراف إلى المنازل”دليفري”، وكانت الحجة السائدة في عدم مشاهدة مثل هذه الفضائيات هي استخدام ” الريموت كنترول” وعدم مشاهدتها من الأساس!
ولأن عجلة التطور لا تتوقف.. تحول الإنحراف الإعلامي من مخاطبة الغرائز إلى غسيل العقول لتحقيق المصالح الشخصية وكسب الملايين في وقت لا يتحصل فيه الكثيرين إلا على الملاليم، مما جعل المشاهد يتعرض لحالة من الصداع والصخب الشديد مساء كل يوم مع مشاهدة برامج التوك شو، والتي معها تحول الأمنجي، والفاشل، والشاذ، والمنحرفة، وزوجات المشاهير إلى قادة رأي وأصحاب فكر وهو ما يمثل قمة المسخرة، لو كانت للمسخرة قمة!! وأصبح المشاهد الآن يتم التحرش به فكريًا كل يوم، وهو لا يستطيع وقف ما يتعرض له من انتهاكات، فهل هذا الصخب الإعلامي الفاضح يساهم في بناء دولة أو حتى بناء إنسان.. بصراحة أشك!
لقراءة المزيد: