نقلًا عن “المصري اليوم”
المحترم محترم، وسمير غانم فنان محترم، احترم نفسه، احترم دم الشهداء الساخن يروى صحراء سيناء، اعتذر بدموعه الحبيسة أن ينكت ويسخر ويبتسم فى ليلة تيتّم فيها أولاد، وترمّلت نساء، وفُطِرَت قلوب أمهات.
كان موعداً مع السعادة، خطّط الصديق وائل الإبراشى أن يرسم على وجوهنا ابتسامة بعد طول عبوس، استضاف «سمورة»، ولكن داهمتهما قبل اللقاء مذبحة العريش، اغتال الإرهابيون خمسة من خير جنود الأرض، لم يحتمل الفنان الكبير أن يخرج على الناس ليسخر وينكت حتى يقاوم الإرهاب بضحكة حتى من على الشفاه والقلب منه ينزف، خرج علينا مُعزّياً، الإرهاب لا يخطف الأرواح فحسب بل ينحر البسمة، لأول مرة أرى «سمورة» ينزف على الهواء.
«أنا كنت جاى أهزر ونعمل حلقة دمها خفيف، لكن بعد الحادث مش هقدر أكمل.. وحسبى الله ونعم الوكيل».. قالها المحترم احتراماً لدم الشهداء، شتّان بين قلب فنان وقلب جاحد، قلب ينزف ألماً وقلب يرقص طرباً، بين من يملك إحساساً وبين عديم الإحساس، فارق كبير بين إنسان يقف إجلالاً أمام تضحية الشهيد ويلتزم الصمت احتراماً ويقرأ الفاتحة ويُحَسْبن، «حسبى الله ونعم الوكيل»، ويصبِّر أهليهم وذويهم بكلمات، هى كل ما يملكه فى لحظة ارتجفت شفتاه تقاومان دمعاً خلال دقائق معدودة أطل فيها على المشاهدين، ليعزيهم، يعزى نفسه وأهله ووطنه.
درس من فنان يعرف قيمة الشهادة، ويتوقف أمام شباب اغتالتهم الديابة فى الظلام غيلة، مثلهم ديابة يتخفّون وراء صفحات ورقية وحوائط فيسبوكية، يشمتون ويتوّتون ويغرّدون ويفسفسون غبطة فى الدم الطاهر المراق على الأرض الطاهرة.
سمير غانم لم يحتمل الحزن، احتواه همّ عظيم، وهم لا يستحون، كان «سمورة» كبيراً، رائعاً، ملهماً، أرقى مشاهد برنامج العاشرة مساءً، تركنى فى حالة من الحزن والألم على حالنا، على سوء ما وصلنا إليه، أن يغتبط مصرى فى مأتم وطن، أن يقيم الأفراح، والقرآن يُتلَى فى البيوت المكلومة، هؤلاء لا عهد لهم ولا أمان، والثأر حق، وحق الشهيد لن يضيع طالما وراءه مطالب، وعملية حق الشهيد ليست نزهة خلوية، لكنها التحرير الثانى لسيناء الحبيبة، تُروَى بالدماء، وتكتمل بعون الله، وبعزم الرجال السُّمر الشداد.
قائمة الفخار، تزينت بأسماء الأبطال الشهداء، المقدم تامر العشماوى، النقيب محمد ديناصورى، النقيب محمد شحاتة، العريف محمود عبدالواحد، الجندى رجب إبراهيم، تشكيلة من الرُّتب، هناك فى سيناء، فى معركة الوطن، لا فارق بين مقدم وجندى، كتفاً بكتف، تذوب الفوارق، ولا ينظر أحدهم إلى النجوم ترصّع كتفيه، تنظر إليهم نجوم السماء، هم نجوم الأرض المنيرة، لا أحد يتأخر عن الشهادة، وفى هذا فليتنافس المتنافسون.
«سمورة» الرائع، يعيش بيننا بقلبه وبإحساسه وعواطفه، ألا أيها الليل الطويل ألا انجلى، يتوق للبسمة راضية، للضحكة طالعة من القلب، للفرحة تطل من عيون الأطفال، تنحر قلبه دمعة اليتامى، ولوعة الأمهات، وقسوة الفراق، يداهمه ليلاً مثلنا طيف جرح نازف فى قلب أم، يا قلب أمك.
أشد إيلاماً على النفس مشهد الأم فى موكب الشهيد، يوجع القلب، تودع عمرها، تستودع الله فلذة كبدها، تصرخ من أعماق أعماق بئر الحنان، حملته وهناً على وهن، وفطامه فى عامين، كبرت وأحسنت الرباية، والصغير يحبو، ثم سلك الطريق ترعاه عناية الله، ثم يخطفه طائر الموت فى صحراء موحشة، تندب عمرها، اتحش وسطها، عادة ما تلحق بشهيدها إلى القبر، لا طعم للحياة وكان هو الحياة، وأنت الأمل والمُنى والدنيا والأحلام.
طالعوا الصفحة الرسمية لشهداء الجيش والشرطة، وتملوا فى وجوه ناضرة إلى ربها ناظرة، شباب يفرّح ملائكة السماء، وإن أنكرهم نفر حقير من دود الأرض الأسود، والبوم على شجر الزقوم، والله قسماً، لو واجههم هؤلاء الخونة لولوا من جسارتهم فراراً، ولَمُلِئَت قلوبهم من إقبالهم على الشهادة رعباً، وما صمدوا أمامهم قدر ساعة فى قتال شريف، ولكن القتل غيلة دينهم وديدنهم، ودين آبائهم وأذنابهم والتابعين فى المنافى البعيدة، هم أهل الشر.. كن سمير غانم ولا تكن من المرجفين.