محمد عبده بدوي يكتب: أن تتورط في ثورة ... على الهواء

  -1-

 يااااااه …….  كل هذا الجمال يأتينا من تونس

في بداية عملي بقناة ON TV كنت على موعد مع الثورة التونسية، كنا نقوم بتغطيات مباشرة على الهواء لهذا الحدث الإستثنائي، ننقل يوميات الثورة هناك. لقد فعلها التونسيون أخيراً ، وفي كل مداخلة هاتفية مع أحد المحللين وأساتذة السياسة من مصر والعالم العربي، كان هذا السؤال يلح علي : هل يمكن أن نثور مثل التونسيين ؟ وأسئلة أخرى ترمح في عقلي كأحصنة جامحه : لماذا لا نثور مثلكم ؟ هل يمكن أن يثور المصريون ؟ كل أسباب الثورة حاضرة في مصر ؟ لماذا اذن لا نثور؟

لم أنطق بأي سؤال، أنا ابن مدرسة الإعلام المصري الرسمي، مدرسة تعلمك أن تحاسب نفسك، أن تسأل نفسك ألف مره قبل أن تسأل، خصوصاً فيما يتعلق بالسياسة هذا الحقل الملغوم قبل أن تنفجر الأسئلة في وجهك. كدت أن أفعلها في احدى المرات : لماذا لا يستطيع المصريون أن يقوموا ب..ث ..و..ر ….؟؟؟!! ، … بلعت لساني وقتها ، تقطع السؤال وكأن شوكا – دون أن أعي – نما على أطراف حنجرتي

أيام قليله …. وكانت الإجابة في ميدان التحرير ، وكنت قد تورطت في ثورة على الهواء !!!

  -2-

 شيئ ما يحدث

عيون قلقة زائغة، الكل مرتبك متردد من حولي في المحطة، عيون معلقه على شاشات الدنيا في صالة التحرير ، عين على الجزيرة ، عين علىCNN ، عين على تلفزيون الدولة البليد، شاشة عمياء لا ترى شيئا، رؤوس من حولي وكأنها علامات استفهام تتجول في طرقات المحطة تحاول أن تفهم حقيقة ما يجري

…..  السويس تشتعل .. شهداء يسقطون …الاضطراب سيد الموقف ، خوف ممزوج بأمل  ، سنفعلها مثل التونسيين سنفعلها !!

شيء ما يحدث

كنت أسأل نفسي ، كيف يمكن أن أتعامل مع ما يحدث، لم نتعلم في كليات الإعلام كيف يتعامل المذيع مع ثورة تقوم في بلاده ، لم نتعلم أصلا كيف نثور – نحن الشعب النهري الطيب المطمئن دوما لقضائه وقدره –  كيف تكون المعالجة الإعلامية ؟ ، كيف أكون محايدا أو ملتزما بمعايير المهنة ؟

أستعد للظهور لفترة هواء جديده … مستقبلا هواءا جديدا في بلادي لن يستطيع أن يفسده أحد بعد الآن

شيء عظيييييم يحدث !!!

  -3-

– شوية عيال وهيتلموا

– عيال هبله عايزين يهدوا البلد … عايزين يضيعوا مصر

– دي ثورة يا أستاذ

– ثورة مين يا عم … انت غلبان أوي

… دار هذا الحوار بيني وبين أحد الصحفين الكبار في غرفة الضيوف قبل الهواء ، ونحن نتابع مؤتمر الحزب الوطني على الشاشة قبل جمعة الغضب، السيد صفوت الشريف يطل علينا ببدلته الأنيقة وصبغة شعره البائسة ، وضيفي الصحفي الكبير يردد  كلامه سعيدا ناظرا الى بعين خبيثة ، أما أنا فكنت أراه أمامي عاريا تماما  فلقد تبخر الحزب الوطني في دقائق

…. الصحفي الكبير أصبح بعد الثورة من أشد المدافعين عنها ، ملأ شاشات البلاد صارخا : عيش وحرية وعدالة اجتماعية !!

 -4-

– مال علي زميلي في القناة  قائلا:  بين جوانجي شهوة لاصلاح العالم … احنا بنغير التاريخ يا صاحبي

… ميدان التحرير يتسع يوما بعد يوم لأحلام المصريين ،  وتضيق أي صورة سواها .. انها بلاغة الصورة المتفردة ، بجانبها يضيق كل كلام السياسيين والمحللين والمنظرين ، حينما تعترينا أي لحظة يأس خلال تغطية الثورة على الهواء ، نلجأ اليها و نأتنس بها ،  كنا نستقوي بها على الهواء ،  لم أكن أريد أن أشاهد أي لقطة سواها ، صورة الميدان تكفي ،  هي فقط تغنينا عن كلامنا وكلام كل ضيوفنا .. كانت تكمل كل معنى ناقص لأي كلمة نقولها … يهيأ لي أن الكاميرا لم تحب – أيام الثورة-  أن تسجل الا هذه الصورة ، وكانت تعاندنا حينما نطل  نحن على الهواء . أو تطل وجوه تحاول أن تبحث عن مكان جديد لها بعد الثورة

… تورطت على الهواء في ثورة ، وتورط جيلي  كله ومازال هذا التورط الجميل مستمرا

 -5-

مَن تُرى يحمل الآن عبءَ الهزيمةِ فينا

المغنى الذى طاف يبحث للحلم عن جسدِ يرتديه

أم هو الملك المدعى أن حلمَ المغنى تجسَّد فيه

هل خدعت بملكك حتى حسبتكَ صاحبي المنتظرْ

أم خدعت بأغنيتي

وانتظرت الذى وعدتْكَ به ثم لم تنتصر

أم خدعنا معا بسرابِ الزمان الجميل؟

  أحمد .ع. حجازي

اقرأ أيضًا:

محمد عبده بدوي يكتب: ماذا لو دقوا جدران الخزان!! 

‫محمد عبده بدوي‬: الأستاذة الشيوعية.. في كلية الاعلام

 محمد عبده بدوي: لماذا لا أكون مذيعاً ؟   

محمد عبده بدوي: ميديا جديدة.. خطاب قديم

ذكرى رحيل الصوت الأنيق.. محمود سلطان

محمد عبده بدوي: قبل أن تحاسبوا …لمياء 

.

تابعونا علي الفيس بوك من هنا

تابعونا علي تويتر من هنا