أثار الفيديو المسيء للشرطة الذي أعده الفنان الشاب أحمد مالك، وشادي حسين، مراسل برنامج “أبلة فاهيتا”، عن طريق توزيع “واقي ذكرى” على هيئة “بلالين” لمجندي الشرطة، في الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير، استياء بمواقع التواصل الاجتماعي وغضب أجهزة الدولة.
الفيديو يحمل إهانة قاسية وغير مقبولة لمجندي الشرطة البسطاء الذي تخيل الشابين في نظرة سطحية وتافهة أنهما يسخران من فساد الداخلية التي قمعت وقتلت المتظاهرين بهذا الفعل الذي أساء للثورة حين اقترن اسمها بـ “واقي ذكري”، ولكن في
الوقت ذاته مشهد الفيديو وما تبعه من ردود أفعال متضاربة وسريعة يكشف عدة مفارقات كالتالي:
1- فيديو أحمد مالك وشادي حسين المسيء لمجندي الشرطة لم يكن “إفيه” جاء بالصدفة من الشابين اللذين شاركا وأصيبا في ثورة 25 يناير، وإنما كان فيديو معد مسبقًا نتيجة تخطيط وتفكير، وهو ما يظهر في طريقة إعداده وتصويره، من أول شراء “البلالين” حتى نفخها داخل منزل، ثم الخروج لميدان التحرير.
2- نشر الشابان الفيديو باعتباره تنفيس كوميدي مع أصدقائهما من الشباب الذين يعون أنهم لو نزلوا لإحياء ذكرى الثورة بالتظاهر لن يعودوا! وهو ما أظهره “بوست” شادي عبر “فيس بوك”: “طالما هي مابقاش فيها مظاهرات ولا صوت معارض، يبقى هنفضل نسف عليكم، حتى وإحنا بنموت هنموت وإحنا بنسف عليكم، يارب تكونوا انبسطوا معانا”.
3- اضطر “مالك” للاعتذار عن ما فعله وهو اعتذار واجب عن فعل خارج، ولكنه ليس عن اقتناع، إذ أن الفنان الشاب لم ينشر صورة أو يكتب بوست متهور عبر “فيس بوك”، بل فكر واختار طريقة مهينة للشرطة تشبه تلك التي كان يهين بها بعض المجندين والضباط متظاهري 25 يناير بالتبول عليهم تارة وعمل إشارات جنسية مسيئة لهم تارة آخرى، وفي الوقت ذاته اعتبر “شادي” أن رد الفعل المبالغ فيه على الفيديو يؤكد أن زمن “النكتة” انتهى، وهو ما يعكس تضارب انفعالات ورؤية الشابين.
وبدا من اعتذار “مالك” أنه أتى بعد ضغوط، ربما من أقاربه أو أصدقائه أو غير ذلك.
4- يبدو أن الضغوط لم تتم على “مالك” فقط، فنقابة المهن التمثيليلة قررت فجأة إيقاف منح التصاريح لأحمد مالك، وتحويله للتحقيق، رغم أن نقيب الممثلين أشرف زكي صرح صباح اليوم بأنه اتصل هاتفيًا بـ مالك، مشيرًا إلى أن الفنان قال له إنه كان يمزح مع أصدقائه، وأنه سيعتذر، أي كان بإمكان النقيب إحتواء الأزمة دون إيقاف “مالك”، وهو ما لم يحدث وما يعكس الضغوط التي تعرضت لها النقابة والنقيب لإدانة “مالك” ووقفه حتى يكون “عبرة” لغيره.
5- “مالك” الذي ألقي القبض عليه في نوفمبر 2014 أثناء تظاهره احتجاجًا على حكم البراءة الذي حصل عليه الرئيس الأسبق حسني مبارك في قضية قتل متظاهرين 25 يناير، أكد في اعتذاره أن عمره الصغير “20 عامًا” والتهور الفكري، والإحباط العام الذي يعاني منه جيله من الشباب الذي لا يملك القدرة على التعبير عن رأيه هو ما دفعه لهذا الفعل، موضحًا أن هذا ليس مبررًا للتجاوز في حق الآخرين، وفي الوقت ذاته أعلن أن أكثر ما يضايقه هو استغلال ما حدث لتشويه الثوار و ثورة 25 يناير، وهو ما يوضح أنه لم يكن يعي الانتشار السريع للفيديو أولًا، والإهانة التي يحملها للثورة قبل الشرطة.
6- أعلنت “أبلة فاهيتا” تبرئها مما فعله “شادي” مصرحة أنه يعبر عن ذاته وليس عن البرنامج، كما صرح محمد هاني، رئيس مجموعة قنوات “”CBC: “لسنا مسؤولين عن تصرف شخصي لأحد المراسلين في برنامج أبلة فاهيتا، البرنامج تنتجه شركة خاصة، ولا تقوم القناة بتصويره، وبالتالي الشركة هي المسؤولة عن محاسبة الشخص الذي فعل هذا، ونحن لا نملك محاسبته”، وهو ما يعكس أيضًا محاولة البرنامج والقناة السريعة لنفي أي شبهة لانتماء المراسل لهما، رغم أن البرنامج نفسه متهم بنشر الإيحاءات الجنسية وخدش الحياء.
اللافت أيضًا أن البرنامج لم يكن مضطرًا لإصدار هذا التوضيح، خاصة أن ما صدر من شادي لم يكن تحت راية البرنامج، بل على صفحته بموقع “فيس بوك”، لذا وصف كثيرون “التوضيح” بأنه “تبرؤ” من شادي.
7- كالعادة رأينا سباقًا عامًا لتظاهرات الولاء والوطنية، من شخصيات عامة كفنانين وإعلاميين لم يتهاونوا في وصف الشابين بـ”السفالة وقلة الأدب”، مطالبين بتوقيع أقصى عقوبة نفسية ومادية عليهما دون أي محاولات لاحتواء الأزمة التي تعبر عن قضية أكبر تحتاج لدراسة عميقة لفهمها وإدراك دوافعها قبل حلها.
8- أحال النائب العام بشكل سريع وعاجل بلاغ المحامي سمير صبري الذي تقدم به صباح اليوم، ضد أحمد مالك، وشادي حسين، لنيابة وسط القاهرة للتحقيق فيه، إضافة إلى تقديم عدة بلاغات آخرى ضد الشابين، مع انتشار أخبار غير مؤكدة عن القبض على “شادي”، هذا بالإضافة إلى إعلان صفحة “الشرطة المصرية” غير الرسمية نيتها للانتقام من الشابين، استكمالًا للحرب المعلنة عليهما.
9- ما فعله الشابان وفقًا لحقوقيين ومحامين مثل نجاد البرعي وناصر أمين، هو فعل “مناف للذوق والقيم” ولكنه يدخل في إطار حرية الرأي والتعبير بشكل ساخر، ولا يعد جريمة يعاقب عليها القانون، وبالتالي فإن تقويم هذا الفعل يكون بالفكر والمعرفة وليس بالترهيب، والترهيب هنا لا يعني القبض عليهما فقط، ولكنه يعني الأساليب الملتوية التي تتكشف شيئًا فشيئًا من مقاطعة غير معلنة لهما في أماكن عملها ومحاربتهما نفيسًا أو تلفيق التهم لهما.. وهو ما قد نراه في الساعات المقبلة.