ريم بنّا مطربة وملحنة فلسطينية ، درست الموسيقى فى موسكو ، تكتب كلمات جُلَ أغنياتها ، لكن ندرة من أغنياتها تجدها من أشعار آخرين ، أمثال محمود درويش ، زهيرة صبّاغ ، أو حتى فلكلور فلسطينى ؛ لكن أجمل ما فى أغنياتها أنها لا تستدر عطفك ، والتسول بحثا عن مناصر للقضية الفلسطينية التى لا تحتاج إلى مناصرين ، بل على النقيض تماما ، تجدها محفزّة ، محرّضة ، مقاومة ، وفوق كل هذا مغلفة بحسّ إنسانى بالغ الرهافة .
بين فينة وأخرى تطالعك الميديا ، بأخبار فنانات إستشرى السرطان بأجسادهن، حتى اضطرت بعضهن لاستئصال الثدى ” أنجلينا جولى ” ؛ لكنك تجد نفسك فى حالة أقرب إلى التقديس أمام حالة كـ ” ريم بنّا ” ، هل تأسى على حالها ــ وهى المطربة الشابة أم الأطفال ــ تحت وطأة المحتل الغاصب ، أم ترثى الحالة المزرية التى أضحت عليها جراء النهش الذى لا يتوقف لذاك المرض اللعين لجسدها ؟!
ريم بنّا التى لا تتاجر بمآسيها وأوجاعها ، فتجدها كالفراشة المحلقة فى أفق السوشيال ميديا ، تجيب كل سائليها ، وتبتسم بـ “إيموشناتها ” لمعجبيها ، حتى تشعر أنها ، لو أسعفها مارك “مؤسس فيس بوك ” بميكروفون لغنّت لمتابعيها على صفحتها الخاصة غناءً مباشراً .
” كانت سارة تدرُج أولى خطواتها على تراب فلسطين ، وكانت ضحكتها تغطى سماء فلسطين .. غافلها القنّاص بطلقة فى الراس ، فى رأس سارة الصغير ..إرفعوا العصبة عن عيون سارة حتى ترى وجه قاتلها ” .
كانت تلك كلمات أروع أغانى ريم بنّا وأصدقها ، التى ما إن تسمعها ــ وأنت العالم بحالة ريم الصحية والإجتماعية ــ حتى يقفز إلى ذهنك ذلك السؤال الشجىّ : هل كانت ريم تنعى سارة تلك الطفلة التى غافلها القنّاص ، أم تنعى نفسها ، تلك الشابة التى غافل إبنها نفس القنّاص وغافلها ذاك المرض اللعين ” السرطان ” ؟!
تلك الكلمات التى سطّرتها الشاعرة ” زهيرة صبّاغ ” بأسلوب يجعلك تدرك على الفور أنه نابع من إنسان معايش لمعاناة الشعب الفلسطينى حتى وإن لم تكن على دراية بهوية كاتبة الكلمات ، التى لست فى حاجة الآن لإخبارك بأنها فلسطينية الجنسية من مواليد ” الناصرة ” ؛ ناهيك عن كونها والدة ريم بنّا !.
حتى فى تلك الغنوة الحاملة للطابع الشجى ، والشخصى ، فبمجرد إستماعك للحن تشعر بأن هناك ثمة إنتصار أو إنتفاضة تلوح فى آخر الأغنية ؛ حينها ستطالعك آخر جملة فى الأغنية ــ إرفعوا العصبة عن عيون سارة حتى ترى وجه قاتلها ــ
ولكن ؛ من قاتل ريم بنّا الحقيقى ؟
هل المحتل الإسرائيلى ، أم السرطان ، أم رؤسائنا ، أم نحن ؟
نحن ؟
من نحن ؟
نحن الشعوب التى تخلّت عن كل ما يمت للعروبة بصِلة .. تركناهم يلعقون الصبر فى إنتظار إغاثتنا لهم فى فلسطين ، يأكلون بعضهم البعض فى لبنان بحجة إختلاف المذهب، وأخيراً يقتاتون على شعاراتنا فى مضايا ؛ ولكن هل نحن شوب يعوّل عليها؟ كيف نعوّل على شعوب لم تستطع حماية ثوراتها ، حتى وصل الأمر بإحداها أن تظل إلى يومنا هذا أسيرة السؤال العقيم : هل لازال 25 يناير عيداً للشرطة أم أصبح ذكرى للثورة المهدرة ؟!.
لكن عزائنا أن هناك الكثير من هم مثل ريم بنّا ، هؤلاء الذين يطمحون إلى أوطان أفضل ، هؤلاء الذين ولدوا فى زمن من لا يقول ” لا ” ، لكنهم غدا سيكونون ما يريدون ، كما قال محمود درويش .