وليد رشاد يكتب : هوامش على دفتر الثورة (1)

ترددت كثيراً فى كتابة ذكرياتى مع ثورة يناير وما تلاها من احداث ساخنة لانى اعتبر الكتابة عن الذكريات القريبة درب من المجازفة، لاسباب كثيرة منها ان بعض من نتحدث عنهم فى تلك الذكريات ما زالوا فى محيط حياتنا وربما بعضهم يمكن ان يعترض على ذكر اسمه او قصته، ولكن بعد مرور 5 اعوام كاملة على ثورة يناير وبعد ان انتشر المرتزقة ومروجى الروايات الكاذبة قررت ان افرج عن بعض ذكرياتى مع الثورة مما تسمح به الظروف ولا يسئ لاحد، ليس باعتبارى صانعاً لها بالطبع ولكن باعتبارى شريكاً فيها ثم شاهداً على ما تلاها من الاحداث كمراسل لبرنامج من اكبر برامج التوك شوو العربية ومسئول بشكل مباشرعن تغطية ما يتعلق بتداعيات ثورة يناير، وتتضاعف سعادتى ان تكون تلك الذكريات عبر موقعى الاثير وهو موقع “اعلام اورج” الموقع الذى اعتز بانضمامى اليه.

بدأت علاقتى بثورة يناير علاقة فيسبوكية خالصة عندما كنت اطالع دعواتها على شبكة التواصل لانى فى تلك الفترة كنت شبه مقاطع للحياة العامة، نظراً لظروف مهنية صعبة اقتضت ايقاف برنامج التوك شوو الذى اعمل به كمراسل بايعاز من عناصر نظام مبارك.

ولكن لا ادرى لماذا تحولت تلك العزلة لحالة استنفار ومتابعة متأنية لتطورات يناير مع تصاعد الاحداث، ولا زلت اذكر حوارى مع احد الاقارب ليلاً حينما علمت قبل ان انام يوم 25  يناير بمقتل شاب فى السويس على يد قوات الشرطة، فقد اكدت له ان السلطة حينما تبادر بالدم فمعنى ذلك ان الثورة سوف تشتعل اكثر لان الدم يلهب حماس الثوار للانتقام، وتوقعت ان يصدر النظام قراراً بحظر التجول واستدعيت ذكرياتى مع حظر التجول ايام احداث الامن المركزى فى عام 86 فقد كانت المرة الوحيدة التى عاصرت فيها حظر تجول، لكن الاهم اننى قررت النزول يوم 28 باعتباره يوم محورى وفاصل فى تاريخ مصر، وكان السؤال كيف انزل يوم 28 وانا اساساً بعيد عن الحياة العامة والاعلامية منذ 5 شهور وغير متابع للتفاصيل، وهنا تلاقت رغبتى مع رغبة احد زملائى من المخرجين التلفزيونيين الشباب واتفقنا على الخروج سوياً مع مسيرة تضم الفنانين والاعلاميين والمثقفين من جامع “مصطفى محمود”، واتفقنا  كذلك على الاستيقاظ المبكر صباح الجمعة لنصلى سوياً فى  جامع “مصطفى محمود” ولكنى صدمت بقطع شبكات الموبايل والاكتفاء بالتليفونات الارضية وفشلت فى ان اصل اليه للتأكيد على الموعد، وحاولت ان اكلم ابن خالتى الذى كان متحمساً ايضاً للثورة ففوجئت بانه نزل من بدرى فقررت ان اصلى الجمعة فى اى جامع فى شبرا وبعدها اقرر ماذا سافعل ؟؟!!

7474755474
ولانى للاسف الشديد لم اكن احب الاستماع لخطبة الجمعة لاسباب كثيرة منها احتوائها على الترويج السياسى والدعاء للنظام وغيرها، فبعد اذان الظهر قررت ان اخذ شاور سريع وبعدها انزل وفوجئت بعد 5 دقائق فقط باذان اخر للاقامة، وهنا قلت يمكن الشيخ ده مستعجل او فيه سبب امنى لانهاء الصلاة سريعاً بس اكيد باقى الجوامع لسه بدرى !! وخلال الشاور سمعت صوت كلمات عالية فتصورت انها الصلاة لافاجئ بعد خروجى بان تلك الصيحات كانت جزء من تظاهرات ما بعد الصلاة، وسمعت دوى قنابل الغاز وعرفت ان شبرا بها حراك رهيب ومظاهرات كبيرة وقررت النزول لارى الامور على ارض الواقع، ونزلت فوجدت معظم شباب المنطقة فى الشارع وكلهم يحاولون رصد ما يحدث، وسمعت شئ اشبه بالنكتة بان جامع الخازندار وهو الجامع الرئيسى فى منطقة شبرا خرجت منه جنازة بعد صلاة الجمعة وهم يوحدون الله فظنت قوات الشرطة انهم متظاهرين فاطلقت عليهم قنابل الغاز !! وتجاوزت القصة لتصل لمرحلة ان المشيعين تركوا الجنازة وجروا هرباً من الغاز !!!!

واثناء تواجدى فى شارعنا تداول بعض الشباب كلمات لها علاقة بضرورة الحراك المتكرر فى الشوارع الجانبية وسحب العساكر للداخل، لانهاك قوات الشرطة لتخفيف الضغط على المتظاهرين المحاصرين فى الميادين الرئيسية كميدان الدوران والاهم ضمان تمركز القوات فى المناطق المختلفة على مستوى المحافظة، حتى لا يطمئنوا لتلك المناطق ويتركوها ويتفرغوا لمحاصرة اخواتنا فى التحريروهو فكر كلاسيكى اعتقد ان الشعب المصرى اتقنه منذ ايام ثورة 1919 !!!!

وبدأت تلوح فى ذهنى لاول مرة فى حياتى فكرة الاشتراك الفعلى فى مظاهرة او فعالية رغم انى طوال عمرى لم اشارك فى اى مظاهرة، ولم انزل اى مظاهرة الا بغرض التغطية التلفزيونية، لاننى مؤمن بان ممارسة السياسة فى بلاد ديكتاتورية هى ضرب من الجنون وعزز عندى تلك الرؤية قراءتى لرواية “شرق المتوسط” للكاتب السعودى “عبد الرحمن منيف” والتى تتحدث عن صنوف التعذيب التى يلاقيها المعتقلين السياسيين فى بلادنا، وهى واحدة من اروع الروايات التى درستها فى مادة الادب العربى فى كلية الاعلام وتأثرت بها كثيراً.

المهم انى وجدت نفسى فجأة مشاركاً بالفعل بل انتقل من شارع جانبى لاخر واشهد مناوشة الشباب للعساكر لسحبهم الى تلك الشوارع ثم اهتف بصوتى الجهورى “اجرى .. اجرى” لكل الصفوف الامامية، لكى اضمن سلامة الشباب وكذلك لمزيد من ارهاق العساكر وتوريطهم فى الدخول لمسافات اكبر، وهنا لا يمكن ان انسى شاب على ما يبدو انه صنايعى او شئ من هذا القبيل كان يرتدى على ما اذكر فانلة حمالات فى عز برد يناير فى وقت كنا نلبس فيه جواكت تقيلة، وفوجئت بهذا الشاب حينما سمع البعض يهتف “اجرى.. اجرى” وقف وكأنه “سبارتاكوس” محرر العبيد صائحاً (يعنى ايه اجرى ؟! ثم كلمة اعتراضية من 3 حروف هو احنا نازلين علشان نجرى ؟؟!! محدش يجرى !!!!) المهم انه عند اول هجمة لعساكر الامن المركزى فوجئت بالكل جرى ولا كأنهم سمعوا حاجة !! وتبقى هذا الشاب بمفرده !!!! ورغم انى لا اعرف اسمه الا اننى ما ازال ابدى اعجابى بشجاعته، ولكنى اشعر ان هناك عشرات غيره كانوا السبب فى استمرار الثورة ولولاهم لفشلت الثورة تماماً من البداية خصوصاً لو اعتمدت على كلام وتصرفات

النخبة والمهذبين من امثالنا !!!!!!!

والى اللقاء فى الحلقة القادمة باذن الله ….

اقـرأ أيضـًا:

وليد رشاد يكتب: كل شئ قبل 25 يناير !!!!!‎

وليد رشاد يكتب: حتى لا تتحول شرم الشيخ الى كفر الشيخ !!!!

وليد رشاد يكتب: ليالي الحلمية.. ليه؟!!

وليد رشاد يكتب: توقعت سقوط “مبارك” و”مرسي” !!!!

وليد رشاد يكتب: أفلامنا الحلوة (1).. فى بيتنا رجل

وليد رشاد يكتب: قلم سخن على وجه لاعب الأهلى !!!!

وليد رشاد يكتب: صليبية الأطفال سبقت فيديو “أحمد موسى” بمئات السنوات!!

 .

تابعونا علي الفيس بوك من هنا

تابعونا علي تويتر من هنا