منذ عدة أسابيع تم الحكم على الإعلامى إسلام البحيرى بالسجن لمدة عام بتهمة ازدراء الأديان ، و إذا كنت تتفق مع ذلك أم لا فيجب أن تعرف أن تعامل أغلب مؤسسات الدولة مع الرأى المخالف لها مازال يتصف بالكثير من القصور الأقرب للعدوانية .
ربما يصف البعض ما حدث مع البحيرى أنه عادل نوعاً ما ، و يعزيه ليس لفكرة الانتقاد و لكن لطريقة انتقاده المتسمة بالعدائية و التهكم أكثر من اتصافها بالعقلانية و التحليل المنطقى ، فمن يقرأ فى علم الحديث يعرف أن إسلام ليس أول من انتقد البخارى ، فمنتقدى البخارى من علماء الحديث عددهم يربو عن الخمسين و منهم علماء يشار لهم بالبنان فى علم الجرح و التعديل ، و لكن كما قال الدكتور يوسف زيدان فى صالونه الثقافى الشهير ” البخارى و مسلم و أحمد و غيرهم اللى قضوا حياتهم فى شقاء و معاناة من أجل ظبط علم الحديث و تتبع أسانيد السنة لا يستحقوا أبداً ان ييجى واحد زى إسلام يقول عليهم جهلة و يهينهم الإهانة دى !! ” ، لذا فأكثر الآراء عقلانية فى قضية إسلام البحيرى هو أن المشكلة لا تكمن فى الانتقاد بحد ذاته بقدر ما أنها تتعلق بطريقة انتقاده و ألفاظه التى عادة ما كانت تخونه ، و لأنه ينتقد مجموعة من المتوفين فلن ترى البخارى أو مسلم أو احد الورثة يرفع قضية سب و قصف على البحيرى ، و لو كان انتقاد إسلام بحق أحد المسؤولين رفيعى المستوى فى الدولة لتغيرت المعطيات بالكلية .
حسناً ….. هناك إسلام آخر قد فعل ذلك و هو الآن موقوف بتهمة أنه لا يمتلك ترخيصاً لإنشاء صفحة على الفيسبوك !!! لا تتعجب هذه هى التهمة ، الفنان إسلام جاويش و الذى لا يمتلك سوى ريشة عبقرية و صفحة “الورقة” على الفيسبوك و التى لم يدفع إيجارها للدولة لعدة شهور على ما يبدو ، الأمر الذى تلاحظه أن كثيرين مِن مَن تحمسوا للدفاع عن إسلام البحيرى لم يعيروا حبس رسّام كاريكاتير أى اهتمام ، بالطبع لأن رسومات إسلام جاويش قد طالت كثيرين مِن مَن يجيدون الشتم و التشهير و الحبس أيضاً .
و هذا يضعنا أمام سؤال كبير ، هل نظام الدولة فعلاً يتأثر بريشة رسّام كاريكاتير ؟؟ هل من المنطقى أن نتساءل أى نظام هذا الذى يضع صور هزلية كأحد مصادر التهديد عليه ؟ هذا ليس سؤالاً فرضياً لكن بعد عدة حالات مشابهة أشهرها برنامج باسم يوسف تستنتج أن نظام دولتنا يعتبر برنامجاً فكاهياً أو كوميكس أبيض و أسود – إسلام مبيستخدمش ألوان على فكرة- خطراً على استقرار البلاد و …. بيقولوا عليها ايه ؟؟ آه… تكديراً للصفو العام ، و قبل أن تتساءل أين هو هذا الصفو العام الذى سيكدره كوميكس هزلى ، أو فيديو ساخر لمجموعة من الشباب اتفقنا أو اختلفنا مع طريقتهم فى التعبير ، أليست هذه الحالات تُعد ظاهرة صحية ؟ أليست حالات الانتقاد و المزاح مع السلطة دلائل على أن الدولة تتمتع بقدر ما من الحرية ؟
عندما قام الأزهر بمقاضاة إسلام البحيرى على إنتقاد هو أقرب للهجوم على مجموعة من العلماء ، لم يدخر كثيرون جهداً فى توجيه تهم التشدد للأزهر ، و مطالبات بإلغاء قانون ازدارء الأديان أو تعديله ، هذا رأى يبدو منطقياً جداً ، لكن الأكثر منطقية الآن هو أن يتم تعديل قوانين حرية التعبير ، و وضع بنود تتيح انتقاد مسؤولى الدولة بما لا يتعدى إلى إهانتهم بالطبع ، و لكن أن يصبح مجرد انتقاد أى مسؤول هو جريمة تهدد الوطن فهذا يصنع من رجال الدولة “تابوه” محرم علينا الاقتراب منه أو معارضته ، تابوه يشبه كثيراً تابوه رجال الدين فى أوروبا القرون الوسطى ، التى لم تتخلص من قيود الخوف إلا حينما وضعت رجال الدين و رجال الدولة فى مكانهم و حجمهم الطبيعى .
نرشح لك :محمد السيد الغريب يكتب : المحتوى لا يُكال بالبتنجان