صنع الإعلام المصري جنباً إلى جنب مواقع التواصل الاجتماعي شخصية بطولية من رسام الكاريكاتير إسلام جاويش بعدما شاع خبر احتجازه بسبب رسومات معارضة للنظام الحاكم، بينما لم تعيره معظم هذه القنوات التليفزيونية اهتماماً من قبل لموهبته الماهرة في فن الكاريكاتير وانتشار أعماله بين شباب فيسبوك، وبغض النظر عن الأسباب الحقيقية للاحتجاز التي أرجعها جاويش نفسه إلى الصدفة في مداخلته مع الإعلامي جابر القرموطي، إلا أن هذه الحادثة كشفت عن بعض القصور الذي يعاني منه الإعلام المصري في قضية معاملة المبدعين.
كبار الإعلاميين رددوا اسم جاويش على ألسنتهم كأنه ماركة مسجلة لإحدى السلع العالمية لسبب لم يكن يتصوره من قبل وهو الاحتجاز الأمني، ما يطرح سؤالاً هاماً أظن أنه يجوب أذهان المبدعين المغمورين الذين ربما تفوق مواهبهم مواهب مشاهير المبدعين، وهو: هل ينتظر المبدع فرصة للحبس أو الاحتجاز لكي يحصل على نفس الاهتمام الإعلامي أم يذهب إلى سلطات التحقيق مباشرة لكي يختصر المسافات الزمنية؟
مصر مملوءة بأصحاب المواهب والتجارب الإبداعية لكن المسؤولين في كل المجالات كالمعتاد لا يحاولون إظهارها أو الوصول إليها، بل يمكنك أن تجد في بعض الأحيان من يحاول قتلها ظناً منه أنها تصارعه على منصب أو مكانة ما، في حين أن المنافسة الشريفة لابد منها في بيئة صحية لمجتمع يسعى للتقدم والازدهار.
نعم، التضامن مع المبدعين المحتجزين أمنياً هام جداً بل يصل إلى صفة الوطنية في العمل الإعلامي، لكن التضامن معهم بشكل دائم تشجيعاً لمواهبهم دون انتظار لخروجهم عن النص الأمني أيضاً يعتبر دور إعلامي لابد منه في حالة الانسداد الإبداعي التي نعايشها حالياً في مصر، فكثيرون من المبدعين يتمنون مجرد تلميحاً بسيطاً عنهم في الإعلام لأي إنجاز قاموا به، وفي الغالب ستجد هؤلاء يتمتعون بكرامة ما تمنعهم عن المطالبة بهذا.
أظن أنه من الواجب على الإعلام المصري العام والخاص البحث باهتمام عن الأشخاص ذوي المواهب الحقيقية وتقديمها للمشاهد المصري، على الأقل لكي نرتقي إبداعياً وفنياً بدلاً من توجيه الانتقادات من حين لآخر إلى الأعمال الفنية الهابطة، المسفة التي تلقى رواجاً كاسحاً بين الشباب، فنتصور مصر حالكة السواد، بلا مستقبل، رغم ما تحويه من عقول خلاقة قادرة على خلق الأمل ولو لم يولد.