الرئيس لم يقم بإدانة ما فعله الألتراس في مختار التتش.. واعترف بكيانهم.. وانحاز لوجهة نظرهم في حادثة بورسعيد.. وجعلهم أوصياء على الدولة
الثابت بعد مكالمة الرئيس مع الإعلامى الكبير عمرو أديب أن الألتراس كجماعة وفكرة وتنظيم وأشخاص قد حقق انتصارًا هائلًا.
إزاى؟
أولًا: الرئيس لم يقم بإدانة واضحة ولا حتى نصف واضحة ولا حتى إيماءة أو تلميح بالإدانة لما جرى فى استاد مختار التتش من هتافات وشعارات ولافتات، وقد تعامل الرئيس مع هذا الحدث باعتباره تعبيرًا طبيعياًّ وعادياًّ عن الرأى.
ثانيًا: إن الرئيس اعترف بشرعية الألتراس ككيان مستقل، وتنظيم قوى، وممثل للشباب، وتجاهل تمامًا حكمًا قضائياًّ باعتباره كيانًا إرهابياًّ، فضلًا عن عدم شرعية تأسيسه رسمياًّ، وهو بهذا أيضًا يؤكد شرعية جماعة ستة إبريل مثلًا، ولا أجد أى مبرر لتجاهل هذه الجماعة من الرئيس طالما اعترف بالألتراس أم أن الأمر يحتاج إلى عشرة آلاف متظاهر من ستة إبريل؛ كى يتم تعاملها بالمثل!
ثالثًا: الرئيس اعترف بأن حادث بورسعيد غامض وموضع شك وتساؤلات وربما مدبر، بينما هو لا يعرف من دبرّه، كما اكتنف الغموض أحداثًا كثيرة بعد يناير!! وقد انحاز الرئيس هنا إلى وجهة نظر الألتراس بل تبناها فعلياًّ متجاهلًا معهم أحكامًا قضائية حسمت المسؤولية وأدانت مسؤوليها.
رابعًا: إن الرئيس جعل من الألتراس قيمًّا على الدولة بل وطلب تكوين لجنة تقصى حقائق منهم (لماذا عشرة أفراد فقط يختارونهم وليس تسعة مثلًا أو ثلاثة عشر!)؛ كى تراجع ما جرى من إجراءات وتحقيقات قامت بها مؤسسات الدولة ومرة أخرى تغافل الرئيس وجود أحكام قضائية نهائية فى هذا الملف، فضلًا عما هى الصفة التى يراجع بها أعضاء الألتراس هذه التحقيقات، ثم الأهم أن التحقيقات ضمن ملف القضية، وهو مطروح للجميع ومتاح لأى شخص.. فلماذا يدعوهم الرئيس للاطلاع على شىء هو فى الأصل متاح مباح؟
أما لو كانت هناك تحقيقات أخرى ليست ضمن ملفات القضية، فهذا تضليل من جهات الدولة للعدالة، ثم إن من يملك حق النقاش فى قضايا وتحقيقات هو النائب العام وليس الرئيس قطعًا بل ربما يعتبر البعض هذه الدعوة تدخلًا واضحًا فى شؤون القضاء.
طبعًا غلب على الرئيس طريقته الأبوية المتوددة للألتراس، وهى طريقة فشلت ألف مرة فى ردهم عن قناعات وتصرفات، ولكن لا يزال الرئيس مراهنًا عليها فى إصرار يعبر عن ثقة تستحق التأمل فى تأثيرها على هذه الجماعة، وربما لجأ لهذه الطريقة لأن أجهزة الأمن التى يفوضها الرئيس فى إدارة كل شؤون مصر تقريبًا فشلت فى طريقتها الخائبة المصممة على الوعيد والتهديد، لكن أستطيع التأكيد على أن الطريقتين تحظيان بحظوظ للفشل هائلة فلا التودد ولا التوعد سيفعلان شيئًا مع الألتراس؛ لأن أحدًا من الدولة لم يدرس هذه الظاهرة نفسياًّ واجتماعياًّ وسياسياًّ وتنظيمياًّ، فالبلد الذى يعتمد على اللواءات والموظفين فى معالجة مشاكله يفاقمها ويشعلها أكثر من أن يعالجها وينهيها.
لقد أفرط الرئيس السيسى فى الكلام عن تفكك الدولة وقال إن مهمته هو تثبيت الدولة.
عظيم، دعنا نقول إن تفكك الدولة ليس ابنًا لنكسة سبعة وستين كما حلل الرئيس، ولا أعرف على أى دليل أو برهان بنى كلامه، فالثابت أننا تجاوزنا أزمة النكسة وتماسكت مصر، وخاضت حرب الاستنزاف، ثم انتصرت فى أعظم حروبها فى أكتوبر تلاتة وسبعين، فكيف باﻟﻠﻪ عليك انتصرت دولة مفككة فى معركة كبرى مثل هذه يا سيادة الرئيس؟!
إن التفكك الحقيقى بدأ مع ظاهرة التيار الإسلامى الذى شق مصر ومزقها فتنة، فضلًا عن استشراء الفساد فى جنبات الدولة وزاد على هذا كله الاستبداد والديكتاتورية وفرعونية الحكم!
نعم، مهمة تثبيت الدولة مصيرية للرئيس ولنا جميعًا، لكن نحن لا نرى جهدًا لتثبيتها بل نرى اعتمادًا لنفس سياسات التفكيك السابقة بمظاهر الاستبداد وانتهاك حقوق الإنسان وتضييق الدولة على حرية الفكر والإبداع والتعبير وتفتيش المحاكم للقلوب ومطاردة أصحاب الفكر والتورط فى مشروعات بإنفاقات هائلة دونما عوائد واضحة أو سريعة وعودة غلبة الصوت الواحد ودعاوى نفى الأصوات المتخلفة والترويج لاصطفاف مهمته النفاق والتصفيق واختيار شخصيات المسؤولين من أهل الثقة لا الكفاءة، أهل الولاء لا الخبرة.
هذا ما يفكك الدول يا سيادة الرئيس!