وبعد ان شاهدت الشاب واقفاً وحده فى مواجهة هجوم عساكر الامن المركزى بدأت رحلة التجوال داخل الشوارع الجانبية وكأننى اكتشفها لاول مرة فرغم انى مولود فى منطقة شبرا الا اننى على ما يبدو لم اسير مطلقاً فى تلك الشوارع !! ثم سمعت اذان العصر وقد فاتتنى كما سبق ان اوضحت صلاة الجمعة وصليتها ظهراً، فدخلت اصلى فى احد المساجد فى شارع داخلى لا اذكره لعلى اشعر ببعض الامان لانها بالنسبة لى سنة اولى مظاهرات، وخلال دخولى المسجد وجدت شاب يرتدى ملابس عصرية وذقنه من النوع الروش ويبدو انه من شباب الثورة قد اصيب بالاغماء من شدة الغاز (وقد كانت بالفعل المرة الاولى التى يطلق فيها غاز بتلك الكثافة) وحملوه الى المسجد محاولين افاقته، وسمعت واحد من الرجال الكبار الذين تواجدوا حوله لافاقته يقول له “ما تخافش محدش حيقدر يقربلك انت فى بيت ربنا” الجملة ديه كل ما افتكرها اشعر باحساس غريب ونوع من القشعريرة، يومها حسيت فعلاً اننا محتلين لان الاحتلال مش بس عسكرى اجنبى يكون موجود على ارضك لكن الاحتلال ممكن يكون لما عصابة تكون حاكمة بلدك وتغتال طموحاتك لتحقيق مصالحها الشخصية !!
وكمان مش ممكن انسى منظر شاب طويل اللحية داخل المسجد (طبعاً عرفت الان انه سلفى) ذلك الشاب كان على ما يبدو امام المسجد او مسئولاً عنه، هذا الشاب الملتحى لم يهتم مطلقاً باغماء الشاب الثورى وكأن الامر لا يعنيه، واظن انه تعمد الا ينظر للموضوع من الاساس واعتقد الان ان هذا الشاب كان من السلفيين الذين يرفضون الخروج على الحاكم ويعتبروا الشباب الثائر مجرد شباب مارق.
المهم صليت العصر وخرجت وقابلت شاب يبدو انه مثقف وبدأنا نتجاذب اطراف الحديث وعرفت انه عضو فى الجمعية الوطنية للتغيير، وتكلمنا عن رغبتنا وحلمنا بالوصول للتحرير واكد لى صعوبة ذلك وانه على ما يبدو اننا تأخرنا فى النزول وان من ذهب للتحرير زمانه وصل من بدرى، وطبعاً كان صعب حد يتأكد من اى معلومة لان شبكات الموبايل كلها فصلت !!!! ولكنى ذكرت له الحوار الذى دار بينى وبين احد اصدقائى من المنطقة بعد صلاة الجمعة عندما سألته عن اخبار الطريق للتحرير فاكد لى ان امن الدولة متواجد فى كل الطرق المؤدية للتحرير وحذرنى من محاولة الخروج من المنطقة باتجاه التحرير، وعلى ما يبدو ان الشاب المثقف كان يعلم تلك القصة او يتوقعها واتفقنا على اننا يجب ان نعود لبيوتنا فى تلك اللحظة لان وجودنا فى الشارع لم يعد له اهمية، وعلينا ان نحاول ان نجد وسيلة للوصول للتحرير حيث الثورة الحقيقية وعلى ما اتذكر اننا تبادلنا ارقام تليفونات المنزل، ثم تحركت من طريق خلفى عائداً للبيت وقررت اشترى اكل ولكن بعد عودتى للبيت لا ادرى لماذا شعرت بالقهر والاهانة، فقررت النزول للشارع مرة اخرى فوجدت الامور اختلفت نسبياً وعدد الناس فى ازدياد، وبدأ الناس يخرجون من الشوارع الداخلية نحو شارع شبرا الرئيسى وخرجت اليه ايضاً امام شارع منزلى، وعندما سمعت الهتافات لا ادرى كيف تخطيت مرحلة الخرص الثورى وفوجئت بنفسى اهتف وحدى كالمجنون وباعلى صوتى احد الهتافات الثورية، وعلى ما اتذكر كان “عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية” ومن فرط حماسى على ما يبدو ان هدومى خرجت من بعضها او كادت ان تسقط منى فلوس فى جيبى، وفوجئت وقتها بان رجل كبير (يعرفنى من المنطقة) يضحك مذهولاً من فعلتى ولا ادرى هل اعتبرنى مجنون او لم يكن يتوقع من شاب مرفه مثلى (دايماً فى حاله) ان يكون به طاقة ثورية ثم حذرنى بسخرية ان الفلوس ستسقط من جيبى، وده كان مؤشر ان جيل الكبار هو اسوء اعداء الثورة بس للاسف مكنتش لسه وقتها مركز انى اترجم الرسايل الضمنية ديه.
والحقيقة ده كان اول هتاف ثورى فى حياتى وما زلت مش متخيل ازاى نطقته اصلاً !! وترددت اقاويل عن اقتحام قسم شرطة الساحل (وكنت مبكراً قد شاهدت اعتصام الشباب الثائر امام القسم)، وبعدها شاهدت وسط المحتجين بعض الناس يبدو انهم بلطجية والذين كنت اشاهد ناس منهم مشحونون فى عربات ميكروباص بعد صلاة الظهر وكانت تلك الميكروباصات تتحرك عكس الطريق رغم اصلاً ايقاف حركة المرور فى الشارع، وفوجئت بشخص مريب فى منطقتنا اعتقد دائماً انه عميل للاجهزة الامنية او شئ من هذا القبيل يشير لاثنان منهما ضاحكاً وبدأ يسألهم ما معناه رايحين على فين ؟؟!! قالوا له خلاص كده احنا خلصنا وبعد ذلك فهمت ان هولاء وغيرهم من البلطجية كانوا مأمورين من الضباط بترويع المتظاهرين، وحينما سقط القسم اصبحوا طلقاء وبدأوا يدركون انه لا رقيب عليهم وضحكتهم (فى وجهة نظرى) كان معناها انهم يستعدون لمعركة المساء وهى نهب المحلات بعيداً عن تعنت الضباط !!!!
وبدأت اتجرأ واتحرك فى شارع شبرا باتجاه ميدان الدوران (وكانت احد احلامى الوصول اليه فى ذلك اليوم الغريب) وكانت اول مرة اشم غاز، وبصراحة ما حسيتش بحاجة وفرحت اوى باعتبار انى اسد ومش بيأثر فيا الغاز وتوغلت اكتر ووجدت بعض عساكر او ضباط الامن المركزى يدخلون جراج المنوفية وفوجئت بهم يبكون بشدة، ولم افهم سر بكائهم ولكن ربما بسبب شدة الغاز وفجأة اكتشفت فعلاً ان الغاز رهيب ولم استطع تحمله، ويبدو انها كانت المحاولة الاخيرة من الامن المركزى فاطلقوا كل ما لديهم من قنابل غاز، ووجدت نفسى اجرى بهيستيريا كالمجنون اريد ان ابحث عن هواء نقى وحاولت ان اجد اى نسمة هواء نقى لكن يبدو ان الغاز انتشر فى كل الاماكن حتى فى الشوارع الجانبية، واثناء الجرى الهيستيرى وانا مش شايف فوجئت براجل كبير تانى بس ده معرفوش بيقول حاجة من نوعية (اجرى يا اخويا .. ولما انت مش قدها بتنزل ليه !!) وطبعاً اكيد الناس اللى من نوعية الراجل ده هى اللى كانت بترقص فى اللجان بعد كده، المهم مش عارف ليه تصورت ان الغاز ملأ الكون وانى حاموت، وقلت ان الحل الوحيد هو انا اصعد شقتى لانها مغلقة بسبب الشتاء واكيد فيها هوا نقى وحتى لو مت اموت فى بيتى احسن ما اموت فى الشارع لانى مكنتش اعرف الى اى مدى ممكن يوصل تأثير الغاز !!!! وكلمت احد اقاربى مذعوراً وانا مش قادر امسك اعصابى من الغاز والجرى والرعب وقلت له كنت حاموت ولا زال قريبى هذا يتذكر تلك المكالمة حتى الان !!!!!
والى اللقاء فى الحلقة القادمة باذن الله ….