لم يكن أشد المُتفائلين يتخيل أن يستيقظ المسرح في مصر من سباته العميق في المُستقبل القريب، فبالرغم من النجاح الكبير الذي حققه برنامج باسم يوسف والذي كان يٌقدم من مسرح راديو بوسط البلد إلا أن هذه التجربة ليست تجربة مسرحية بالمعنى المفهوم،فهي جاءت بالتزامن مع ظرف سياسي وإعلامي مهد الطريق أمام برنامج ساخر ليتم تقديمه من مسرح أمام جمهور، أما البداية الحقيقية لعودة المسرح في مصر فهي تجربة تياترو مصر بقيادة الفنان المُحترم أشرف عبد الباقي، والتي حققت المُعادلة الصعبة بجذب الجمهور إلى مُشاهدة مسرحية داخل المسرح مُقابل تذكرة حتى لو كان بإمكانه مُشاهدتها على شاشة الحياة يوم الجُمعة.
التجربة التي حققت نجاحًا كبيرًا في الموسم الأول رغم أن أغلب أبطالها من الوجوه الجديدة، بدأت موسمها الثاني على نفس القناة مع إضافة وجوه جديدة أخرى إلى جانب أبطال الموسم الأول، وكان المُتوقع أن يستغل الفريق فترة الراحة بين الموسمين في تطوير التجربة لتكون انطلاقة الموسم الثاني أقوى من الموسم الأول، إلا أن الفريق ولسبب غير مفهوم انخفض بمستوى كتابة المسرحيات بشكل لافت للنظر.
حقق الموسم الأول نجاحًا كبيرًا، وهذا يرجع لعدة أسباب أهمها ما يلي:
• ظهرت مسرحيات تياترو مصر على الساحة بعد فترة طويلة من ركود او قل غيبوبة المسرح، فكان بمثابة قبلة الحياة التي ينتظرها عُشاقه ممن كانوا يُشاهدون مسرحيات تتكرر سنويًا مثل “العيال كبرت، كارمن، مدرسة المُشاغبين .. إلخ” في الأعياد، ظهر تياترو مصر ليُعيد الجمهور إلى المسرح نفسه إلى جانب مُشاهدة العروض تليفزيونيًا.
• انخفاض سعر تذاكر العرض بالمُقارنة بأسعار التذاكر المسرحية المُعتادة يُعيد للأذهان ما قام به الفنان محمد صبحي منذ أعوام، والتي كانت من أهم عوامل الجذب حيث أن تكلفة الانتقال من المُشاهدة التليفزيونية إلى المُشاهدة على المسرح لن تكون كبيرة بالدرجة التي تمنعك من حضور العرض.
• مدة العرض القصيرة مُقارنة بالمسرحيات المُعتادة والتي تصل إلى ثلاث ساعات، بينما لا تتجاوز مدة عرض تياترو ساعة واحدة فقط، وهو ما ساعد على عرضها أسبوعيًا سواءً على خشبة المسرح او لجمهور التليفزيون
• بعد ثورة يناير تقبل الجمهور المصري فكرة استقبال المواهب الشابة، فمن الفرق “الأندرجراوند” إلى خشبة المسرح قرر المصريون إعطاء الفرصة لمن يملك الموهبة ومن لا يملك، وليبقى بعد ذلك على الساحة من يستحق، ولاعتماد تياترو في أغلبه على الوجوه الجديدة كان التحدي أكبر ولكن الفريق أثبت قوته فبقدر التحدي كان النجاح.
• قدرة الفريق على الاستمرار كانت من أهم عوامل النجاح، فبالتزامن مع عرض تياترو مصر على قناة «الحياة» كان هناك عرضًا آخر باسم “المسرحية” على شاشة «إم بي سي مصر»والذي لم يستمر سوى أسابيع قليلة ليختفي تمامًا فيما بعد، أما تياترو مصر فاستمر حتى وصل إلى الموسم الثاني.
• للمسرح طبيعة خاصة، فالأمر لا يقتصر على الضحك والخروج ببعض النكات والإفيهات، وإنما ينتظر جمهور المسرح الخروج بفكرة من العرض، او قصة لها مغزى ومعنى خاصتًا وإن كان مُرتبطًا بما يعيشونه سواءً على الصعيد السياسي او الاجتماعي او الاقتصادي، لذلك استغل فريق تياترو هذه النقطة وأصبحت القصة لديهم هي البطل حتى وإن احتوت على بعض الافيهات اللطيفة والتي لا تخرج عن سياق المسرحية.
انتهى الموسم الأول ليبدأ الموسم الجديد مع توقعات مُرتفعة عند أغلب من تابعوا الموسم الأول بأن يكون الموسم الثاني استكمالًا لعناصر النجاح بل وتطويرًا لها، إلا أن الانخفاض الحاد في مستوى المسرحية أدى إلى بروز كثير من علامات الاستفهام حول إمكانية استمرار العروض بهذه الطريقة، والتي لا نرجو أبدًا أن تتحول ككثير من تجاربنا المصرية إلى “فرقعة” وراحت لحالها. انخفض مستوى المسرحيات لأسباب عديدة أهمها:
• رغم ان فريق تياترو يمتلك قدرات كتابية وتمثيلية كبيرة، إلا أنه اعتمد في المسرحيات الأخيرة على فكرة “رص” الافيهات، حتى أصبحت هي نفسها مُتوقعة ومُكررة كما حدث في المسرحية الأخيرة حينما طلب الثوار كلمة من مُصطفى كامل فكان الرد: قشطة يابا.
• لم تعد القصة هي البطل، بل لم تعد موجودة من الأساس، فالمسرحية أصبحت مجموعة من الاسكتشات غير المُترابطة، ساعد في ذلك زيادة عدد أعضاء الفريق مع عدم تطوير المسرحية نفسها مما أدى إلى ضغط العروض بالمزيد من الأدوار التي كثيرًا ما تكون عبءً لايُمثل إضافة حقيقية للمسرحية.
• تزامن الموسم الأول من تياترو مصر مع زخم سياسي أكبر كثيرًا من الزخم السياسي الحالي، والذي كان بدوره مُلهمًا لكثيرٍ من الأعمال ومن ضمنها تياترو، حيث كانت السخرية من الإخوان وحدها مادة يتقبلها الناس ويتفاعلون معها، اما الآن فحتى محاولة استدعاء هذه الحالة لن يكون له نفس التأثير إن لم يكن له تأثيرًا عكسيًا بفعل التكرار.
• نجاح العروض في جذب الجمهور للمسرح او المُشاهدين على التليفزيون ليس مؤشرًا كافيًا على استمرار نجاح التجربة، فانخفاض مستوى المُحتوى سيؤدي مع الوقت إلى فُقدان الزخم الجماهيري خاصتًا وأن المسرحية في موسمها الثاني أي أن الفكرة لم تعد جديدة براقة كما كانت سابقًا.
• صعوبة إيجاد مسرحيات تياترو مصر على الانترنت خاصتًا بعد اختفاءها التام من على موقع يوتيوب بعد شراء موقع شاهد.نت لحقوق العرض الإلكتروني، وهو الشيء الذي أثر بالسلب علىمن كانوا يُتابعون العروض في أي وقت وبسهولة من خلال الانترنت.
في النهاية، تجربة تياترو مصر تجربة ناجحة وفريدة من نوعها، ولكن حتى لا تمر مرور الكرام وتنطفئ مع الزمن يجب تدارك الأخطاء وإصلاحها قبل أن تتفاقم، فبكل تأكيد يرغب المُشاهد سواء كان في المسرح او امام التليفزيون ان يضحك، ولكنه كذلك ينتظر محتوى وقصة ومغزى يدفعه إلى انتظار العرض القادم.
إقرأ ايضا
لؤي الخطيب: الدبة اللي قتلت صاحبها
تياترو مصر أونلاين فقط على إم بي سي
لمتابعتنا عبر الفيس بوك اضغط هنا