صلاح عيسى يكتب: جوهر الخلاف حول تشريعات الصحافة والإعلام

أسوأ ما تحاول حفنة من المنتمين إلى الجماعة الصحفية والإعلامية أن تجر إليه المشتغلين بالمهنة، والمعنيين بحرية الصحافة والإعلام من النواب والجماعات السياسية ومنظمات المجتمع المدنى، هو سعيها لأن تصور الخلاف الحالى بين «اللجنة الوطنية لتشريعات الصحافة والإعلام»، وجناح من الحكومة الحالية، حول مشروعات القوانين التى تترجم مواد الدستور بشأن الحريات الصحفية والإعلامية، على غير حقيقته، وأن تعيد تكرار الكلام التافه الكثير الذى روّجت له على امتداد شهور، بأن اللجنة الوطنية يسيطر عليها تيار بعينه، وأنها تعمدت، ولاتزال، تأخير إعداد هذه المشروعات لكى تحافظ على السلطة التى تمارسها الآن، وهو كلام يعجز الذين يرددونه عن تقديم دليل واحد – من نصوص التشريعات ذاتها – يثبت صحة الادعاء بأن الذين أعدوها قد انحازوا لتيار بعينه، ويعميهم الغرض عن تقدير حجم الوقت الذى كان يتطلبه التوفيق بين رؤى ممثلى الجماعات والنقابات التى تشكلت منها اللجنة، ثم بينها وبين الحكومة السابقة، على نحو انتهى بتوافق بين كل الأطراف، حول مشروعات قوانين تؤسس لنظام إعلامى جديد يقوم على الحرية والمسؤولية والمهنية.

وفضلاً عن أن هذا كلام لا يليق بمقام بعض الذين يقولونه، أو بمقام كل الذين قيل فى حقهم، فهو يفتح الباب أمام «رابطة صنّاع الطغاة» التى تعودت أن تلبد فى كواليس كل الأنظمة السياسية، منذ عصر مينا موحد القطرين، لكى تتخذ منه ذريعة للادعاء بأن هناك خلافاً بين صفوف الجماعة الصحفية والإعلامية حول مشروعى القانونين اللذين أعدتهما اللجنة، فتلقى بهما إلى صندوق القمامة، وتستبدل بهما قوانين أخرى لا يعرف أحد من الذى وضعها، وتتعامل مع الصحفيين والإعلاميين باعتبارهم «سحرة فرعون»، وتضفى المشروعية القانونية على كل الإجراءات التى قد تتخذها السلطة التنفيذية لتكسير أقلامهم، ولوضع أقفال من حديد على أفواههم.

وحتى لا يقودنا هؤلاء أو غيرهم إلى تفاصيل تافهة، أو مجادلات عقيمة أو ملاسنات شخصية، علينا أن نتوقف أمام الحقيقة التى تقول إن جوهر الخلاف بين اللجنة الوطنية للتشريعات الصحفية، ورؤية جناح من الحكومة الحالية، يتعلق أساساً بالموقف من ضمانات الحرية، من حيث المضمون انطلقت اللجنة من رؤية تذهب إلى أن مواد الدستور ذات الصلة المباشرة بحرية الصحافة والإعلام، وهى المواد ٧٠ و٧١ و٧٢ «الخاصة بالحريات»، و٢١١ و٢١٢ و٢١٣ «وهى الخاصة بالتنظيمات»، هى مواد متكاملة، لا يمكن الفصل بينها أو إصدارها بالتقسيط، وأخذت – من حيث الشكل – بالتقسيم الذى استقرت عليه مدونة التشريعات المصرية منذ عرفت مصر أول قانون للصحافة عام ١٨٨٢، وهو تقسيم كان يقوم على قانونين رئيسيين: الأول هو قانون المطبوعات الذى يحدد الشروط التى ينبغى أن تتوفر فيمن يتملك الصحف أو يتولى رئاسة تحريرها وشروط تداولها، والثانى هو الكتاب الرابع عشر من الباب الثالث من قانون العقوبات الذى يحدد العقوبات على الجرائم التى تُرتكب بواسطة الصحف وغيرها من وسائل العلانية.

ولأن المواد ٧٠ و٧١ و٧٢ من دستور ٢٠١٤، تجمع بين ضمانات الحرية التى تكفلها للصحافة الورقية وللإعلام الورقى والمسموع والإلكترونى، فقد جاء مشروع «القانون الموحد لتنظيم الصحافة والإعلام» لكى ينظم ممارسة هذه الحريات للطرفين، ولكى يحل محل قانون المطبوعات الصادر عام ١٩٣٦ ولايزال قائماً حتى الآن، وقانون اتحاد الإذاعة والتليفزيون الذى صدر عام ١٩٧٩، وأفرد المشروع فصلاً خاصاً فى نهايته بكل كيان من الكيانات الثلاثة التى أناط بها الدستور تطبيق هذه الضمانات فى المواد ٢١١ و٢١٢ و٢١٣ منه، وهى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والهيئتان الوطنيتان للصحافة والإعلام.. بينما خصصت اللجنة مشروع القانون الثانى، وهو «إلغاء العقوبات السالبة للحرية فى جرائم النشر والعلانية» لكى يكون بديلاً للفصل المخصص لهذه العقوبات فى قانون العقوبات.

وعلى العكس من هذه الرؤية الواضحة والمستقيمة، والتى تطبق بأمانة ما قصد إليه المشرع الدستورى، تذهب رؤية هذا الجناح من الحكومة الحالية إلى أن الدستور قد أناط بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إبداء الرأى فى مشروعات القوانين التى تتعلق بعمله، وهو ما يعنى – فى رأيه – أن يصدر قانون تشكيل هذا المجلس أولاً، حتى تعرض عليه – بعد ذلك – القوانين التى تنظم ممارسة الحريات التى كفلها الدستور للصحافة والإعلام.

ويزعم هؤلاء أن مواد الدستور الخاصة بالحريات الصحفية والإعلامية نافذة بذاتها، وهو ما يتناقض مع ما استقر عليه الفقه الدستورى من أن مواد الدستور هى خطاب للمشرع وليس للقاضى، ومع نص صريح فى دستور ٢٠١٤ يقضى بأن يظل العمل قائماً بالقوانين السارية إلى حين تعديلها، ومع الواقع الذى يقول إن الصحف لاتزال تصدر بالترخيص وليس بالإخطار كما ينص الدستور، وإن المحاكم لاتزال تصدر أحكاماً بالحبس فى جرائم النشر والعلانية بصرف النظر عن النص الصريح فى الدستور بإلغاء العقوبات السالبة للحرية فى هذه الجرائم.

خلاصة الكلام هى أن جوهر الخلاف بين اللجنة الوطنية للتشريعات والآخرين يدور بين الذين يسعون لحماية حرية الصحافة والإعلام، والذين لا تهمهم هذه الحرية، لذلك اندفعوا يؤيدون وجهة نظر هذا الفريق من ترزية القوانين، دون أن يطالبوهم بنشر مشروعهم، وقبل أن يطّلعوا على حرف واحد منه!!

نقلاً عن “المصري اليوم”

اقـرأ أيـضـًا:

5 أسباب تدفعك لمشاهدة “النهار سينما”

24 تصريحًا لعلاء الكحكي عن النهار 2016

توزيع جوائز مسابقة إعلام.أورج لأفضل مقال في الميديا

تفاصيل برنامج باسم يوسف الجديد

حكاية عمرو مصطفي و”ريحة” شيرين عبد الوهاب

حرام الجسد ..فيلم جديد للكبار فقط

غادة إبراهيم تقاضي “النبأ” بسبب شقق الدعارة

عزمي مجاهد يسب أحمد حلمي

.

تابعونا علي الفيس بوك من هنا

تابعونا علي تويتر من هنا