منذ انتشار مواقع السوشيال ميديا في مصر والوطن العربي توجه البعض لاستغلال تلك المواقع لتوصيل موهبته أو أفكاره في هيئة نوتس أو بوست طويل ومقالات مدعمة بالدلائل والقرائن والدراسات كلا حسب تخصصه واهتماماته، واصبح الأضافات لقائمة الأصدقاء تعتمد في المقام الأول على مشاركة من سيفيدوني في هذا التوجه أو ذاك، فمثلا نجد الشاعر أو الكاتب المبتديء يضيف الكتاب واصحاب دور النشر وخلافه، والباحث يضيف اساتذة الجامعات أو الباحثين من نفس التخصص، وبالفعل عدد لا بأس به نجح عن طريق السوشيال ميديا في إيصال فكرته أو موهبته وأصبح له اسم في مجاله أو المجال المهتم به
وبعد ثورة يناير ونجاح السوشيال ميديا في توجيه الرأي العام تحول لمنبر لإيصال الأفكار الثورية أو الدفاع عن حق ومظالم وهكذا، وشيء فشيء انتشر هذا التأثير وتحدث عنه الجميع حتى وسائل الميديا المطبوعة والمرئية، وتهافت كل رجل سياسة أو علم وفن وخلافه أن يكون له صفحات على الفيس بوك وتويتر وما شابه ليصل لأكبر شريحة من الناس، حتى أننا لاحظنا مؤخرا في انتخابات مجلس النواب أن معظم مرشحي المجلس سواء فردي أو قوائم توجهوا لعمل دعايتهم على السوشيال ميديا بنفس اهتمامه بالعمل على أرض الواقع.
ولكن للاسف وكحال الكثير من وسائل التكنولوجيا الحديثة التي تحتمل استعمالها على عدة اوجه تحول السوشيال ميديا لمنابر تطاحن وصراع وخسر الصديق صديقه والاخ اخيه، وتحول صاحب كل صفحة لنشر كل ما يدعم وجهة نظره حتى لو مشكوك في مصدرها أو منطقيتها، اصبح الجميع يتبارى في نقل وتشيير كل ما يعجبه دون إعمال العقل ولو ثوان- اعط لنفسك ولو ثوان قليلة للبحث فيما وراء ما قرأت قبل تشييره أو حتى التفكير فيه وفي مدى مصداقيته- ماذا ستخسر لو فعلت ذلك ربما وقتها لن تقع فريسة للنصب من شخصيات كما رأينا جميعا مثل التي أدعت اصابتها بالكانسر وعملت صفحات بهذ الاسم واسم اخ له وصديقة وخطيب وبعد كل التعاطف معها ومع قصتها التي تذيب القلب وكثره نقل ما تنشره من هنا لهنا لهناك وانتشار قصتها وافتعال موقف وفاتها تم اكتشاف أن لا وجود لتلك الشخصية من الاساس وأن من اخترعتها جمعت اموال طائلة لمساعدة من يمرون بنفس المحنة، وتلك التي ادعت انتحارها ثم اكتشف انها ايضا تهرب من جرائم نصب، واخرى استغلت موت زوجها وتعاطف السوشيال ميديا معها لتأسيس شركة جمعت من خلالها الأموال ثم هربت .
نحن من نصنع من تلك النماذج أيقونات بكثره النقل والتشيير دون التفكير والبحث فيما وراء الحدث، اسمحوا لي بسؤال بسيط ماذا جنيت من تصديق تلك النماذج والتعاطف معها ونقل كل ما يكتبونه ونشره هنا وهناك دون البحث وراء حقيقة تلك الشخصية؟ وقياسا على تلك المواقف والتي تعتبر نقطة في بحر مظاهر السوشيال ميديا التي تنتشر وتحظى بشهرة كبيرة فقط لأنها وجدت من يهتم ويشارك ما يكتبون حتى اصبح لهم ما يسمى بلغة السوشيال ميديا ” فانز” أو جمهور من المعجبين والمتابعين، بل وياللعجب أصبح من ضمن معايير النشر لبعض دور الطباعة والنشر أن يسأل صاحب العمل ما عدد متابعينك على الفيس بوك مثلا؟!!.
بالله عليكم وبعيدا عن تشيير بوستس التعاطف أو الكتابات فهذا ليس كل ما يشارك على الفيس ويحدث ضجة ثم يكتشف فيما بعد أن لا صحة له أو أنه لا يستحق تلك الضجة، هناك أيضاً بوستس من نوعية تحمل معلومات ما ويتداولها رواد مواقع السوشيال ميديا بالاعجاب والترحاب وربما أيضا بتذيلها بعبارات دينية براقه، يندرج تحت هذا البند الكثير من موضوعات سياسية، تاريخية، دينية، واجتماعية، ولكن للاسف مع البحث والتدقيق والقليل من إعمال العقل تكتشف زيف تلك الموضوعات، أو التلاعب بالمعلومات، أو استغلال التوجهات .
وهكذا تحولت مواقع السوشيال ميديا من مواقع تواصل واستفادة ونشر أفكارك وقناعاتك ومواهبك لساحة حرب وتطاحن ثم إلى ساحة نشر الظواهر، فدائما هناك حديث الساعة على السوشيال ميديا، وكثيرا ما يستخدم تأثيره في توجيه الرأي العام سواء بالسلب أو الإيجاب، وكثيرا أيضا ما استخدم في نشر موضوعات للتأثير السياسي أو الديني أو العاطفي واستغلال لحب النقل عند المصريين بشكل خاص، حب النقل وتداول المعلومة دون البحث في اصولها، استسهال التحصيل، أو التعاطف مع قصص الحب أو القصص الإنسانية، هي فقط تكة واحدة وتشارك موضوع ما يشاركه غيرك وغيرك وغيرك لينتشر ويثبت في عقول الكثير أنه مصدق به أو حقيقي ثم تكتشف بعد دقائق عدم صحته فتنشر تكذيبه، أذن لماذا لم تتفكر قبل نشر الأصل أو تبحث حتى لا تضطر لنشر تكذيب فيما بعد.
لا تجعل من نفسك تابع، تفكر، تدبر، أبحث ثم شارك، لا تشارك بحثا عن اعجاب أو إثارة جدل، لا تشارك إلا الأشياء الموثوق فيها وفي مصدرها، ليس هناك فنان مشرد متروك في العراء تاكله الذئاب، وليس هناك حديث أن نشرته ستدخل الجنه بلا حساب، وليس هناك حلم او منام راه فلان إن لم تشاركه سيحل عليك غضب الله، وليس هناك فلانه المسجونة في سجون الكفرة الأمريكان بسبب أنها رفضت أن تهاجر من بلدها ويستغلوا علمها، ليس هناك مظاهرات شيعية في السعودية، ليس هناك فلانه المشهورة ضبطت في بيت دعاره شارك لتعلم من هي، ليس هناك طفل مخطوف ليس شبه من تحمله شارك ليصل لأهله
قليل من العقل بالله عليكم، قليل من التثمين لما تقرأون، قليل من التمهل فما تكتب وتشارك في صحيفتك على السوشيال ميديا ستكون أيضاً في صحيفتك يوم القيامة.