التغيير من سنن الحياة، وليس جديدا على البشرية مبدأ تحويل النشاط، وتغيير المهنة، ولجوء الإنسان لطريق آخر غير الذي بدأ به حياته المهنية، فهناك أمثلة كثيرة لبشر أجروا جراحات تجميل غيروا بها معالم أجسادهم، أو مناطق منها، وآخرون تحولوا لجنس مختلف بعمليات جراحية، أما من غيّروا قبلتهم ووجهات نظرهم وتلونوا كحرباء بارعة تغير جلدها حسب طبيعة المكان والظروف؛ فهؤلاء كُثُر، وليس الحديث هنا عنهم، فهم معروفون للعامة والخاصة، و”اليوتيوب خير دليل”.
في الإعلام، من لم تستهوهم فكرة العمل المهني، المجرد من المصالح الشخصية، بحثوا ونقّبوا عن مصادر (سبّوبة) أخرى للثراء، رغم أن معظمهم يلعب في نادي “الملايين”، ثمنا لطلته على الشاشات، حتى لو كانت دون معنى أو هدف نبيل من تلك الأهداف التي كنا ندرسها بكليات الإعلام، وهي بكل أسف تحولت بفعل “فاعلين” لمآرب آخرى تحكمها أسواق الإعلانات والمصالح الشخصية المعقدة التي يعمل لها ألف حساب كل من يرتمي “في” أحضان السلطة، و”تحت” أرجل رأس المال.
لا يخفى أن صانع القرار بأي مؤسسة يخشى غضب مالكها، يبتعد عما يثير قلقه، وينحي المؤسسة جانبا عن أي مناوشات أو تداخلات مع مصلحة هذا المالك، ويسعى لإرضائه، وفي بعض الأحيان قد يكون حفاظا على منصبه وليس انتماء للمكان، كل هذا جائز في إطار المشروعية القانونية، وأعراف العمل في هذا المجال، لكن الأمر يختلف في سوق العمل الإعلامي، فهناك أخلاقيات للمهنة، التي تُصدّر منتجها بالأساس لجمهور يعتمد عليه في تكوين شخصيته وآراءه ومواقفه، وقد تقدم له ما يثير فضوله للتجربة، كبرامج المخدرات والدعارة والدجل والشذوذ والإلحاد وغيرها، فالسلاح الذي تستخدمه للدفاع، قد يقتلك أنت إذا لم تعلم كيف تستخدمه.
وبعيدا عن مضمون بعض القنوات الفضائية والمواقع الإخبارية في الآونة الأخيرة، وكمية الأخبار المدسوسة والمحجوبة عمدا، فإن عددا لا بأس به ممن يطلقون على أنفسهم لقب “إعلاميين”، والمحسوبين على الصحافة ظلما، غير أنهم ابتعدوا عن أخلاقيات المهنة في المحتوى؛ لم يخجلوا من الدخول في صفقات مشبوهة واستخدام شبكات المصالح في تحقيق ثروات طائلة، وبالمناسبة فالكلام ليس مرسلا، لكن المثل الشعبي يقول “اللي بيزمر ما بيخبيش دقنه”، ومن يتصور أنه يعمل في الخفاء، يوما ما ستتضح حقيقته، “وكل اللي على راسه بطحة عارف مكانها وبيحسس عليها”.
قد يتحول الإعلامي بقدرة قادر إلى “تاجر شاطر”، أو “مخلصاتي” بحكم معارفه، و”رجل أعمال” يستخدم نفوذا في شراكات مشبوهة ببعض المشروعات أو الصفقات التجارية أو الشركات ليزيد أصفارا بجوار أرقام أرصدته بالبنوك، وربما يكون ذلك تحت مظلة القانون أو بعيدا عنها، لكن من العدل -الذي غالبا ما يكون له نصيب الأسد في خطبه وأحاديثه- أن يترك مكانه لأجيال أخرى، ربما منهم من لم تلوثه بعد قذارات الطمع والوصولية والديكتاتورية، أو على الأقل يتذكرون مصطلح “الأخلاق”.
لمتابعتنا عبر الفيس بوك اضغط هنا
إقرأ ايضا
طارق عباس: ريهام سعيد.. فيها حاجة حلوة