من بين دورات معرض الكتاب ال47 و التى بدأت فى 1969 فى عهد ثروت عكاشة و بيد الكاتبة سهير القلماوى ، تُعتبر الدورات الثلاث الأخيرة هى الأكثر إنتاجية من حيث عدد الإصدارات الجديدة ، تبدو تلك الإحصائية دليلاً على ازدياد نشاط دور النشر و انتشارها ، و قد يراها البعض مؤشراً على زيادة الوعى الثقافى و نسبة القرّاء بين الشباب .
و تظهر الجملة التى يجب أن نحكم عليها “العبرة فى النضج الثقافى بغزارة الإصدرات !!” ، هذه جملة غير دقيقة إلى حد كبير ، فإن أى باحث مدقق يحاول تقييم الأعمال يجد أن معظمها دون المستوى ، و أن تنوع الأعمال يصب فى خانة الأعمال الخفيفة و الروايات المفتقدة للعمق و الفكرة ، من المسؤول عن هذا؟؟
فى نقاش ممتع شاركت فيه كان للكاتبة الروائية شيرين هنائى وجهة نظر مُعتبرة ، و كان ملخص النقاش أن العوامل كثيرة لكن أهمها الذوق العام المسيطر علي سوق القراءة المائل لروايات الإثارة و الرعب و كتب النوستالجيا و الكوميديا، و هو ما يجبر دور النشر علي مواكبة الرغبات السائدة في ترجيح تلك الكتب في خريطة دار النشر السنوية ، هذا العامل يشى بصغر العمر الثقافى لأغلب القراء ، و الذى يتوقف على نوعية ما يقرأونه من كتب و لا يرتبط بأى حال بالعمر البيولوجي.
عامل آخر يتمثل في سياسة بعض دور النشر في تعاملها مع الكتّاب خاصة الشباب، فأغلب الكتّاب يُضطرون لتحمل تكلفة طباعة كتبهم ، مما يجعل الأولوية لدى دور النشر للكاتب القادر علي تحمل تكلفة الطبعة الأولى و الثانية من كتابه ، فنخسر تواجد روايات و كتب جيدة لمجرد أن كاتبها لا يستطيع تحمل مبلغ يتراوح من أربعة الي ستة آلاف جنيه، قد يُعزى سبب تلك السياسة لظاهرة ” الكتاب المضروب ” و الذى يقبل عليه الكثيرون لانخفاض سعر النسخ المزورة ، و لكنها ليست عذراً لاعتماد سياسة الدفع مقدماً كنسق شامل عند كثير من دور النشر.
الملاحظة الجديرة بالذكر أنه حينما تبحث عن الكتب الأكثر مبيعاً في معرض الكتاب هذا العام ثم تقارنها بترشيحات الكتّاب في موقع اعلام.اورج علي سبيل المثال ، ستجد بعض القوائم ترشح لك الأفضل في معرض الكتاب ، هي آراء شخصية بالطبع ، لكن ألا يوجد إسم واحد من تلك الأسماء – و هي ترشيحات قرّاء متمرسين بالمناسبة – في قائمة الأكثر مبيعاً في حين ستجد كتباً يعتمد أصحابها علي شهرتهم علي مواقع التواصل الاجتماعي فحسب!!
بينما مستوى ما يقدموه من مادة أدبية بالغ الضحالة و الضعف، فدور النشر تتحمس لهذه النوعية من الكتب لأنها الأكثر شيوعاً ، أى يسيروا بطريقة ” السوق عاوز كده ” مما يضعنا أمام “سبكى ” آخر لكن هده المرة في معرض الكتاب لا فى دور السينما .
نحن نريد شباباً لا يختزل الثقافة في زيارة لمعرض الكتاب و صورة علي الانستجرام و هو يقرأ رواية ممسكاً بقدح من القهوة ، الثقافة الحقيقية هي تحويل الشباب لجيلٍ واعٍ قادر علي تغيير من حوله ، أشخاص يرشّحون كل ما يُطرح عليهم من مُعطيات و يفنّدون كل فكرة خاطئة ترسّخت يوماً ما في وجدانهم.