نقلاً عن مجلة “7 أيام”
قالوا السياسة مُهلكة بشكل عـــــــــــام
و بحورها يا بني خشنة مش ريش نعام
غوص فيها تلقي الغرقانين كلهــــــــــم
شايلين غنايم .. و الخفيف اللي عـــــام
عجبي !!!
قالها صلاح جاهين قبل عقود في رباعياته الشهيرة، وقلناها جميعا بعد ما فعلته فينا ثورة يناير وما أعقبها من أحداث وأهوال طوال خمس سنوات لاتزال مرشحة للزيادة فلا أحد في مصر يعرف متى سنعبر – نهائيا – مرحلة الثورة وتوابعها إلى مرحلة البناء والنهضة، السياسة مُهلكة بشكل عام، والغرق فيها يحرم الغريق ومن حوله من نعم كثيرة لا يدركها إلا من قرر السباحة نحو البر.
أحد هؤلاء هو الكاتب والشاعر الموهوب عمر طاهر، الذي قدم تفسيرا بسيطا وعميقا في آن للتميز الذي حظيت به إصدراته في العامين الأخيرين، بداية من “آثر النبي” مرورا بـ “مصنع النشا والجلوكوز” وصولا لكتابه القيم الذي حقق مبيعات كبيرة مؤخرا “إذاعة الأغاني” وفي الطريق مشروعات أخرى نذكر منها “صنايعية مصر” و” سنين في الدرج”.
عمر طاهر فسر هذا التميز بأنه ابتعد عن الكتابة اليومية في السياسة، أن تراقب الشأن السياسي المتغير بعنف يوميا وتكون مطالبا بكتابة مقال كل جديد كل صباح تُعلق على ما تابعت وأن تضع يدك على قلبك خوفا من أن يكون ما شاهدته ليس هو الحقيقة، كم من المتغيرات والتلاعبات وقلب الموازين والحقائق عشناهل جحيما منذ رحيل مبارك ونجا منه عمر طاهر فقدم لنا مجموعة من أفضل كتبه التي وصل عددها حتى الآن 21 كتابا .
“إذاعة الأغاني” الذي ستجدون الطبعة الثانية وربما الثالثة منه في الدورة الحالية من معرض الكتاب والصادر عن دار الكرمة هو تجربة تؤكد تميز أسلوب عمر طاهر التي من حيث قدرته على قول كل ما هو عميق بمنتهى البساطة، ويمكن اعتبار إذاعة الأغاني تجربة شخصية تُضاف لتجارب أخرى سبق وأن أسكنها عمر طاهر في ذاكرة قراءه، تجربة غير مصنفة في الكتابة الحرة، الكتابة غير المكبلة بألفاظ وتركيبات معقدة نُحتت من أصلد صخور اللغة العربية.
لكن نفس التجربة يمكن النظر إليها وكأنها أدب رحلات ففي هذا الكتاب يسافر عمر إلى سوريا وتونس والبرازيل والمغرب ولبنان، بجانب القاهرة والإسكندرية والعريش والأصل سوهاج حيث ولد ونشأ.
كما أن بعض الفصول تحمل ابتكارا غير مسبوق، مثل تعبير عمر عن علاقته بسيارته الأولى ليسطر لنا كتابة رائقة ورائعة في مجال علاقة الإنسان بالآلة، كذلك يمكن أن نتعامل مع الكتاب باعتباره يحتوى بعض مغامرات قام بها عمر الصحفي الذي ربما لم نجده متواجدا بهذه الكثافة في كتبه السابقة، أبرز مثال على ذلك قصته مع المطربة نور الهدى .
أيضا سمحت بعض القصص لعمر كي يتحول إلى مؤرخ يكتب سيرة مختصرة لبعض المطربين مثل نجاة علي.
أخيراً يمكن أن نعتبر إذاعة الأغاني تجربة فلسفية تحمل الكثير من الأفكار وتدفع للتأمل حول علاقة الإنسان بذاته وبمجتمعه الصغير والكبير وبالزمن بشكل عام، حيث يشكل مرور الزمن مرأة تنعكس فيها روعة العديد من قصص الكتاب عندما يخبرنا عمر بنهايات من بدأت معهم علاقته بهذه الأغنية أو تلك.
هذه فقط المداخل التي وجدتها أنا في إذاعة الأغاني، وبالتأكيد ورغم ثبات الموجة وعدم تغيير الأغنيات سيجد كل قارئ حكاية تمسه هو شخصية، واقعة مر بها لكن في زمان ومكان مختلف، أشخاص قابلهم في طريقه كما التقاهم عمر طاهر على آثير إذاعة الأغاني.
.