يعود ” كيوبيد ” للعشاق هذا العام باحثا عن ثلاثة من فرسان الحب في السينما المصرية، غيَّبهم الموت في شهور متتالية العام الماضي، تاركين مشاعر مؤلمة لذويهم وجمهورهم المحب، إما بعد صراع مع المرض أو بموت مفاجيء، ولأن من المعهود أن يهتم الإعلام برصد حياة المشاهير وأبرز محطات حياتهم حال وفاتهم فقط، ثم يطبق ذكرهم النسيان حتى تحين ذكراهم الأولى، إلا أنني هنا سأحيي ذكرى أحد أهم من جسدوا الحب في السينما المصرية بمناسبة حلول عيد الحب وقبل أن تمر الذكرى الأولى لوفاتهم ..
عمر الشريف
في مقابلة صحفية عام 1973 صرَّح عمر الشريف أن الحب لا يمكن شراؤه بالمال ولا يشترط أن تكون المرأة جميلة، وإنما يشعر المرء تجاهها بعاطفة حميمية بهوس يلاحقه حتى النوم، شكل عمر الشريف مع فاتن حمامة ثنائياً رائعاً ورمزاً خالداً للحب، على الشاشة السينمائية وفي الواقع، إذ جسَّدا معاً أروع قصص الحب في فيلمهما ” نهر الحب “، وظل الزوجان الحبيبان في رباط مقدس لمدة 15 عاماً، ولكن على مايبدو أن انشغال عمر الشريف بعمله العالمي أدِّى في النهاية إلى طلاقهما، لم يتزوج عمر الشريف ثانية، وكأنه إخلاصاً لحبه لفاتن حمامة الذي تزوجت من غيره فيما بعد، يقول البعض أن وفاة عمر الشريف في يوليو الماضي كانت تأثَّراً بوفاة سيدة القصر قبله ببضعة أشهر، إذ على ما يبدو أنه لم يتحمَل فكرة موت فاتن حمامة، أو لم يصدِّقها، ربما لم يكن يعلم أن حبها لازال يقبع في أغوار قلبه، ولكن من المُحْزن جداً أن يُنهي الشخص حياته مريضاً بالزهايمر حيث ينسى محبيه وأبرز مراحل حياته التي جعلت منه نجماً عالمياً يتهافت في حبه وعلى وسامته كل الجميلات، هل لو كان الوسيم عمر الشريف على قيد الحياة ومرَّ به عيد الحب هذا العام سيتذكر معشوقته الأولى والأخيرة، ليس ليرسل وروداً وإنما فقط ليطلب لها الرحمة ؟! ربما يعطي نموذج حب عمر الشريف وفاتن حمامة إلهاماً للمحبين، أن الحب الخالد في القلوب قد يعوق الارتباط بحبيبة أخرى لا تشبه الحبيبة الأولى، ويمنع المحبة التي انفصلت عن حبيبها من الخوض في سيرة عشق سابق احتراماً لزوج حالي حرصاً على عدم جرح مشاعره ..
قبلات على الجبهات ووجنات تحتضن بعضها، وذراعي حبيب يضم محبوبته بدفء، صور لنور الشريف وبوسي تنطق حباً وتنبض عشقاً، مثال آخر على حب عميق جمع بين فنانين أمام الشاشة ومن خلفها، حب أسطوري يجعل من الزوج صديقاً وحبيباً وأباً عطوفاً، ويجعل من الزوجة الصديقة والحبيبة والأم الحنون، ربما يكون فيلم ” حبيبي دائماً ” الذي جمعهما هو أصدق تجسيد لحياتهما الحقيقية سويَّاً، إذ جسد الفيلم حالة الحب بينهما وما واجهه ذلك العشق من عوائق تغلبا عليها تارة، وغلبتهما تارة أخرى، انفصل الزوجان الحبيبان ولكنهما عادا ثانية بعد 9 سنوات من الانفصال، الفتاة الولهانة التي أقدمت على الانتحار عندما أرغموها على الزواج من غيره وهي لم تتعدَ العشرين من عمرها، قرَّرت ألَا تترك حبيبها المتيم وحيداً في وعكته الصحية، في أصدق مثال عن الحب الحقيقي الذي قد يتعرض لبعض محطات الفراق والبعد والهجر، ولكنه حتماً في النهاية سيبقى رباطاً عاطفياً إلى الأبد، أعتقد أن رجوعهما سويَّاً كزوجين قبل وفاة نور الشريف، هو إنقاذ إلهي لبوسي، إذ لم يكن من شيء يُنجِّي قلب بوسي من الانفطار حزناً إذا ما كان رفيق العمر قد فارق الحياة وهو بعيداً عن حضنها، ربما يكون تصفح بوسي لأجمل صور جمعتها بحبيبها الوحيد ونظرته المتيمة بها، هي أرق هدية لها منه في عيد الحب، بعدما حافظا على أسرارهما من أجل العشرة الطيبة في وقت الانفصال، ومن أجل قصة حب لا تموت ..
بطل الرومانسية الحالمة، وخير من أبرز الصراعات التي يتعرض لها الحب، جسَّد شخصية المُحب الولهان الذي كانت الصعاب تقف دائماً حائلاً بينه وبين حبيبته، خليط من المشاعر الإنسانية في وقتٍ واحد، دفء وضعف، يتلوها قسوة وقوة، وهكذا، حيث أجاد أداء الأدوار المتناقضة في مشاهد محكمة لا تترك المشاهد إلَّا متعلقاً بهذا الفنان الموهوب الصادق الذي وصل باحترافيته ليتوَّج في قلوب الجميع .
جسد حال الشاب الرومانسي الذي تكسره ظروف المجتمع القاسية من حرمانه في أبسط حقوقه وهو عيش الحب والزواج بمن يحب، ليذوق مرارة التخلي عن تلك المشاعر الإنسانية الفطرية النبيلة، جسَّد شخصية الشاب الرومانسي الذي يرتبط عاطفياً بفتاة تختلف نظرتها للحياة عن نظرته، وخضوع المحب لمذلة الحب في فيلم ” العذراء والشعر الأبيض” ، وجسَّد قصة الحب التي تنشأ بين حبيبين مختلفي الطبقات الاجتماعية وكيف تحاربهما العادات والتقاليد وسطوة المجتمع والأهل ومكائد محب غريم في مسلسل “الحب وأشياء أخرى ” ، جسَّد شخصية الحبيب الذي تهجره خطيبته لفقره، لتتزوج برجل ثري بحثاً عن النعيم السريع، ليصاب بعقدة نفسية تجعله يغوي فتيات مخطوبات بمظاهر الثراء بعد عمله بالمقاولات ولا يتركهن إلا بعد أن يفسخن خطوبتهن كما في فيلم ” صائد الأحلام “، وجسَّد كيف يصدم الحبيب بحبيبته ليتركها ويتزوج من أخرى، ثم يتزوج بها ويجمع بين زوجتين في النهاية كما في مسلسل ” ليالي الحلمية “، كما جسَّد الأخ الذي يعطف على زوجة أخيه المتوفي ليقع في النهاية في حبها ويتزوجها كما في مسلسل ” الضوء الشارد “..
قال عن نفسه : ” لا أستطيع تقديم شخصية دون أن تتكون صورة فى خيالى، فأنا من المدرسة التى تصنع الخيال من الورق “، رامي قشوع الذي رسخ جذور فيلمه ” بطل من ورق ” في قلوب محبيه، ثارت موجة من الرثاء اجتاحت الوسط الفني ومواقع التواصل الاجتماعي، ذلك الحب العنيف ربما يكون أكبر وآخر هدية يقدمها ممدوح عبد العليم فارس الرومانسية المنكسرة لزوجته شافكي المنيري في عيد الحب 2016‘ إلى جانب أمنياته الأخيرة قبل وفاته بالهدوء والسلام العالمي ..
قد يبدو غريباً استعراض حالات الوفيات في عيد الحب حتى ولو كانت على صلة وثيقة بالرومانسيات طيلة حياتها، ولكن هذا لا يتناقض أبداً مع الاحتفال بعيد الحب الذي يُعد بذاته احتفالاً في يوم إعدام القديس ” فلانتين” الذي دفع حياته ثمناً لأنه كان يجمع بين المحبين ويزوِّجهم سراً في وقت كان الزواج محرماً على الشباب