الأيام الأخيرة في حياة "الأستاذ"
محمد عبد الرحمن (نقلاً عن الأخبار اللبنانية)
“أمثال هيكل يقررون متى يموتون… امتناعه عن الطعام والدواء يؤكد أنه حسم أمره وأخذ قراره ” العبارة السابقة كتبها الصحفي المصري محمد الباز عبر فيس بوك مساء يوم الجمعة الماضي، قبل خمسة أيام من وفاة أبرز صحفي في تاريخ الصحافة العربية عن عمر ناهز 93 عاما، كان يوم الجمعة قد شهد انطلاق أول وآخر شائعة عن وفاة “الأستاذ” على يد كاتبة كويتية تدعى فجر السعيد، ليخرج عماد الدين حسين رئيس تحرير جريدة الشروق مؤكدا أن الكاتب الكبير في حالة حرجة وأنه ممتنع عن تناول الطعام أو إجراء عملية الغسيل الكلوي، وبدا أن هيكل قرر الرحيل فعلا لم ينتظر شائعة وفاة جديدة وغيبه الموت بعد أقل من 23 ساعة على وفاة الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة بطرس بطرس غالي والمفارقة أن كلاهما رحل عن نفس العمر.
كان هيكل والمقربون منه قد نجحوا في اخفاء خبر مرضه الأخير لمدة زادت عن 3 أسابيع، حتى تسرب الخبر فقط عبر مقالات صحفية لأحمد المسلماني بالمصري اليوم وصلاح منتصر بالأهرام (راجع الأخبار ) وحسب مصادر مقربة من الأسرة فأن القرار كان اعتبار أمر المرض العضال الذي أصابه قبل الرحيل خبرا خاصا بهيكل وأسرته، فالصحفي المصري صاحب المكانة الفريدة في تاريخ الصحافة العربية صانع الأخبار والقرارات الأهم في تاريخ مصر خلال حقبتي الخمسينات والستينات فضل ألا يكون هو محور الأخبار في أيامه الأخيرة وألا يترك للصحافة التكهن بحالته الصحية ووداعه مسبقا قبل فوات الأوان، وهو ما يفسر تحفظ معظم الصحفيين والكتاب المقربين منه عن التصريح بحالته الصحية والرد على استفسارات الصحفيين التي لم تنقطع منذ الكشف عن خبر المرض، كذلك استاءت أسرة هيكل من ما تم تداوله حول طلبه السماح لنجله الأصغر “حسن” بالحضور إلى القاهرة ورفع اسمه من قوائم ترقب الوصول في قضية المخالفات المالية المتهم بها، الأسرة اعتبرت أن هيكل عاش حياته يفصل بين مكانته المهنية والسياسية والأمور القانونية وإن كان نجله الأصغر صدر بحقه قرار ضبط واحضار لمدة 6 أشهر فقط ولم يجدد لكن كالعادة يخشى كل ملاحق باي اتهام من تفعيل قرارات غير معلنة عند وصوله للقاهرة، غير أن باعلان خبر الوفاة أصبح السؤال قائما هل سيسمح للنجل الأصغر باستقبال العزاء في والده أم لا؟
أسرة هيكل استاءت أيضا من العديد من المواقع المصرية والعربية التي نقلت شائعة وفاته عن حساب فجر السعيد على تويتر، وقال صحفي مقرب من “الأستاذ” للأخبار أنه لا يصدق أن صحفا مصرية نقلت عن كاتبة عربية لا تقيم في مصر خبرا بهذا الحجم وكأنه أمرا مسلم به وكأن المدعوة فجر السعيد تقيم مع الأسرة مثلا، وأشار إلى أن الدائرة القريبة من الأستاذ شعرت بأن كل ما صنعه الأستاذ لتاريخ الصحافة المصرية ينهار أمام هذه النوعية من الأخبار وأن صحفيي الجيل الحالي لم تصل لهم القواعد التي بناها الأستاذ مع زملاء جيله والتي كان للصحافة المصرية على أساسها شأن آخر.
هيكل غاب عن الأضواء قبل الغياب الأخير قرابة الشهر، حيث كان آخر ظهور تلفزيوني له مساء يوم الجمعة 25 ديسمبر في جزء جديد وأخير من سلسلة حواراته مع الإعلامية لميس الحديدي على قناة سي بي سي والتي كانت تحمل عنوانا عريضا هو “مصر أين وإلى أين” ، في هذا الحوار قال هيكل إن النظام الحالي يعمل بدون خريطة للمستقبل، ويحتاج إلى مناقشة كل الأزمات التي تواجهها البلاد بشفافية. وأضاف”يبدو أننا نسير في طريق لا نفهمه ولا نعرفه، ولا ندرك أننا أمام مرحلة خطيرة أكثر عمقًا، وآن الأوان للنظام الحالي أن يجلس ويناقش” وتابع”ربنا يكون في عون السيسي، الرجل لا ينام، قال لي، لا أنام إلا ساعتين في اليوم من القلق”، مؤكدًا أن الشعب يريد طريقاً عملياً للخروج من الأزمة الحالية” وكان حوار سابق من السلسلة نفسها قد شهد مقولة لافتة لهيكل قال فيها أن السيسي يجب أن يثور على نظامه، موضحا أن الرئيس المصري الحالي محاط برجال نظام مبارك الذين يديرون المحروسة بالفكر نفسه الذي أدى لاسقاط الرئيس المخلوع ، وعلمت الأخبار أن فترة مرض هيكل الأخير شهدت اتصالا من السيسي لأسرته للإطمئنان على صحته وتقديم كل ما قد يساعده على العبور من المحنة الصحية التي أودت بحياته لاحقا .
وكان مجموعة من محبي وتلاميذ الأستاذ قد احتفلوا بعيد ميلاده الثاني والتسعين في سبتمبر الماضي وهو الاحتفال الذي لم يفوته هؤلاء دون معرفة رأي هيكل في الأوضاع السياسية، وقال هيكل وسط في حضور نقيب الصحفيين يحيي قلاش والكاتب عبد الله السناوي والإعلامية لميس الحديدي وغيرهم أن الوضع في مصر معقد للغاية لأن الحقائق غائبة مؤكدا أن السيسى ـمستعد لأن يسمع وينصت ويتفهم، لكن الأزمة غياب منهج للتفكير، كما أننا نعانى من أزمة كفاءة، والعثور على نقطة بداية أمر فى منتهى الصعوبة، خاتما الاحتفال بعيد ميلاده الأخير بقوله ” لا تستطيع أن تستعيد سلطة جمال عبدالناصر بسياسات إسماعيل صدقى ” وصدقي المشار إليه هنا يصنف بأنه أكثر رؤساء الحكومات المصرية قمعا في ثلاثينات القرن العشرين.
اقرأ أيضًا:
42 معلومة تجعل هيكل الصحفي الأهم في تاريخ الصحافة العربية
هؤلاء انفردوا بالحوار مع هيكل خلال 15 عاماً
هؤلاء جسدوا هيكل على الشاشة
هؤلاء يتحدثون عن هيكل
محمد حسنين هيكل يكتب: استئذان في الانصراف رجاء ودعاء.. وتقرير ختامي
شريف عامر يكتب : الأستاذ وخط الزمن