دائما ما تخترقنى الأسئله فى صباحاتى فتمزق حائط صمتى الداخلى وتعبر بى إلى ما وراء الوراء، وكان سؤالى اليوم هل تولد الكلمات؟ هل لها رحم حنون يحملها حتى إكتمالها، وأجبت دون تردد إن رحمها الأوراق والكتب الحنونة، وهو أيضا كل وسيلة يمكن أن تحملها للناس وكأنها بهذه الطريقة تنجبها وتهبها نبض الحياة.
لكن تختلف الحياة تماماً مثلما تختلف لحظات ميلاد الكلمات، أما هذا الرحم المسموع المرئى بشاشته المستباحة، فهو رحم اعتاد البغاء وصار يحمل سفاحاً فى كلمات غير شرعية يصدرها للمتلقى، ويحقن بها أفكاره ويغتال من خلال منابرها أحلامه وأحيانا يقتات بهذه الكلمات على دماءنا و لحومنا غير عابئاً بنا.
كنت قد توقفت تقريباً عن متابعة جهاز التلفزيون لكن أحياناً من وقت لآخر أقف أمامه رغماً عنى فأندهش دون دهشة وأفتح عيناى دون رؤية، وتدخل الكلمات أذناى دون أن يستقبلها عقلى بحب وحميمية مثلما يستقبل غيرها من الكلمات، وقد شاءت الأقدار فى هذا اليوم أن أجلس رغماً عنى أمام هذا الجهاز فإذا ببرنامج له إسم يدغدغ أذناى و صوت أعرفه، إسمه “مفاتيح” وقد كانت ضيفته لهذا اليوم إمرأة قوية لها طلة الملكات إنها الفنانة القديرة “سميحة أيوب” تفتح بمفاتيح مفيد فوزى أقفال عقلى التى أغلقها التلفزيون عن كل ما يعرض على شاشته وإذا بهذا الرحم أخيرًا يحتضن الكلمات، وكأنها طفل حب شرعى مكتمل يشبه أمه وأبيه بنفس القدر ونفس المقدار، تحدثا عن “سارتر وذكى طليمات” وعن شغفها وعشقها وذوبانها على خشبة المسرح وعن حبها للأشجار التى تقطعت يوماً، فصارت أخشاباً من أجل أن تقف هى عليها وتطل بكل هذا الحب والشغف والقوة.
ملأتنى هى وملأنى كل سؤال وجهه مفيد فوزى بشكل لذيذ أصابنى لأول مرة أمام التلفزيون، فأنا امرأة نابته فوق الورق تعودت أن أسلم لحروف مخطوطة بحبر الأفكار الذى يدوخنى بإرادتى الحرة فقط لكتاب لرحم ورقى حنون، وعلى أن أعترف أن تسليمى وإستسلامى للتلفزيون هذه المرة كان رغماً عنى ودون إرادة منى كانت إرادة الكلمات، إرادة مفاتيح العقل و الإحساس.
إقرأ ايضا
لمتابعتنا عبر الفيس بوك اضغط هنا