تم نشر هذا المقال بجريدة الشروق في ملف خاص بمناسبة عيد ميلاد هيكل التسعين
خط واحد طويل وممتد من قبل ان يتشكل الوعى ، وسيستمر بعد ان ينتهى هذا الوعى يمارس فيه الزمن مهارته الأبدية فى وضع المقادير والمصائر على نقاط التقاء وارتباط ضمن لوحة الحياة المتشابكة. هو خط الزمن. «ملفات السويس» وطفل على أعتاب الشباب ، ثم كاتب لسطور احتفاء وعرفانا لصاحب الملفات ، الاستاذ محمد حسنين هيكل. لم يعرف الرجل متى تقاطعت سطوره و أثرت فى حياة عشرات الآلاف أو بالتزام الدقة، الملايين الذين قرأوا «الملفات» عبر خطوط الخرائط التى يهوى النظر اليها. لكنى مثلهم قرأت، ثم قرأت، ثم تابعت وانصت ، حتى كان الاستدعاء بعد ايام من ٢٥ يناير ٢٠١١. توقفت امام منزله للمرة الاولى وقد تذكرت ملفات السويس كأول ما قرأت للأستاذ ، وتذكرت الطفل على أعتاب الشباب، وقد صار فى منتصف العمر يتابع ثورة فى منتصف الطريق. خط الزمن من جديد. وتكررت الزيارات و فى كل مرة أتساءل عن سر الرجل فلا أجد الا إجابة واحدة ترتبط تماماً بمناسبة هذه السطور. نعم ، هو «الاستاذ» كما يعرفه الجميع لأسباب تتعلق بالخرائط التى لم يكتف بالنظر لها ومتابعتها صحفيا ، وإنما عاصر عليها أحداثا وأثر فيها ، وصاغ لأهل الأوطان عليها أفكارا باتساع الأحلام. نعم ، هو «الاستاذ» الذى امتلأت الصفحات بالكثير منه وعنه اتفاقا واختلافا بقدر ما ساهم فيه متفردا عن اى اسم آخر. ونعم ستقرأون الان من اسماء بارزة عن ما قال له الاستاذ ، وعن ما عاصره من تفاصيل ومعلومات وأخبار، لكنها فى نهاية الامر ملك له ، لا يجوز نقلها الا باستئذانه ورغبته، وأنا اكتب ما لا استئذان فيه، أكتب عن الرجل بكل صفاته الجامعة سواء سيداً للمهنة أو رجلا كريما ومتفردا. محمد حسنين هيكل الذى قابلته له سر آخر. هو رجل يطوى الزمن ، يعرف قيمته ، يدرك ابعاده ويتحرك فيه سيدا يقود و يحدد الاتجاه. قد لا يجبر عليه أحد ، لكنك أيضاً لا يمكن الا ان تتوقف للنظر نحو ما يشير اليه.
– «لا تخشى كثيرا، فأنت تملك قيمة حقيقية تقدمها، وهذا ما يبقى وما سيبقى».
إجابته لى على سؤال خاص بمراحل الانتقال فى الحياة والعمل.
فى عبارته بعيدا عن الشخص التى وجهت اليه ، سر الرجل و درسه لمن يعى او يدرك. قدرته على فهم المتغير فى الزمن ورؤيته فى لحظات تشكله حدثا، يلم بتفاصيله، ليضع أمامنا تصورا يملك هو عناصره عبر التواصل والمتابعة. هكذا يطوى محمد حسنين هيكل الزمن عبر الأجيال التى لا يتوقف عن مراقبتها وقياس أثرها وصولا الى هذا الطفل الذى قرأ ملفات السويس ، أو الشاب الآخر الذى يطرق بابه حائرا بعد ان تعددت التواريخ على الحوائط ، من شباب «٢٥ يناير» أو «تمرد ٣٠ يونيو». يسألونه جميعا عن ما يمكن ان يفعلوه عندما تتعثر الأحلام ، وتكون إجاباته أسئلة تدعو للتفكير والتدبر من أجل ان تتحرك الأحلام للأمام. يلتقى بهؤلاء جميعا بنفس الاهتمام والانتباه الذى يستقبل به رئيساً او ملكا او صاحب قرار سياسى. وقد يضيف ودا صادقا يصعب تصديقه.
هذا ما حدث مع كاتب السطور الذى فكر كيف سيعود لزوجته قائلا لها: تخيلى الاستاذ هيكل عرفنى اليوم لأحد زواره قائلا ؛ «أعرف الوالد لكن الابن صديق!!» بالمناسبة مازلت أجد صعوبة فى التصديق.
هكذا يرى الرجل القادمين اليه، يرى ملامح المتغير فى الزمن فيبقى هو محمد حسنين هيكل ، ويمضى الزمن أرقاماً لأيام ، وتواريخ على حوائط حتى يقدم هو رؤيته لها.
أستاذ هيكل، لن تحتمل الصيغ زخارف وانت سيدها..أستاذ هيكل، أشكرك.