حمدي عبد الرحيم لاحظ إن أغلب عمره موزع بين مكان عمله، كصحفي في الديسك، ووسيلة الانتقال الأساسية اللي بـ يروح بيها من بيتهم لـ الشغل ده، وهو الميكروباص.
ما أعرفش منين وازاي جت الفكرة لـ حمدي إنه يخصص كتاب لـ الربط بين المكانين المقفولين، بس اللي أعرفه إنها عبقرية، ولو إنه خ مغامرة إنه يكتب عن وسيلة مواصلات بعد ما خالد الخميسي، لـ “الأسف” قفلها بـ كتاب “تاكسي” اللي كان مكسر الدنيا وقتها، وترجمات وطبعات وحبشتكانات، ولله في خلقه شئون.
لما خلص حمدي الكتاب راح بيه لـ الشروق، اللي طلبت منه فصله لـ كتابين، واحد بـ يتكلم عن الديسك، وواحد بـ يتكلم عن الميكروباص. مؤكد الشروق كان لها وجهة نظر تحترم، لكن القائمين عليها ما لقطوش الفكرة الأساسية في الموضوع:
دلوقتي، الكاتب قاعد هنا وهنا (في الديسك وفي الميكروباص) على كرسي، كرسي غير مريح في الأغلب، وفي المكانين هو يتمنى إنه ما يكونش هنا أصلا، هو مضطر لـ البقاء على الكرسي طول الفترة المفروضة، وخلال الفترة المذكورة، هو مطالب بـ مراقبة التفاصيل والعلاقات وأطراف العلاقات في صمت، يؤدي دوره، ويغادر، والسلام عليكم.
مفيش فرق كبير بين سواقين الميكروباص ورؤساء التحرير أو مدراء التحرير، مفيش فرق بين الركاب والمحررين، وزي ما هو بـ يعيد صياغة الأشياء في الديسك، بـ يلاقي نفسه بـ يعيد صياغة العلاقات في الميكروباص، الفرق إنه في الميكروباص بـ يعمل ده في خياله بس.
من غير حالة الربط دي، مكنش هـ يبقى فيه كتاب، حتى لو الكتابة ممتعة، والقصص لطيفة، لكن العمق جي من التشابه ده، في رأيي.
أصر حمدي على رفض اقتراح الشروق، وفي الآخر صدر الكتاب سنة 2009، عن “مدبولي”. مش متأكد إذا كان الحاج مدبولي نفسه كان لسه عايش وقت الاتفاق على الكتاب ولا كان اتوفى، هو اتوفى أواخر 2008، والكتاب صدر أوائل 2009. عموما الحاج محمد مدبولي يستحق الكتابة عنه بـ شكل منفرد، ولو إني عارف إني هـ أزعل اللي بـ يقدروه، واللي مش بـ يقدروه خالص، ربنا يعيننا.
نرجع لـ كتابنا، وهـ نلاقي فيه ما يلي:
أولا، ما يشبه الدراسة، بـ جد، لـ أحوال الميكروباص المصري في تلك الفترة الصعبة، وهـ نعرف ليه حصلت 25 يناير، لـ إننا قدام تشريح دقيق، حتى لو مش مقصود، لـ ما تبقى من قاع الطبقة الوسطى، وما آلت إليه أحوال البلاد والعباد، حتى سواقين الميكروباص، هـ تلاقي ليهم تقسيمة شبه دقيقة، وتمشي على أي حد بـ يدير أي حاجة في مصر.
ثانيا، كواليس الصحافة، ولو إن حمدي قصر في النميمة، يعني هو ما طلعش مصارين الجرايد بـ الأسماء، واللي موجود ما يجيش واحد على مية من اللي شافه، ولو أي حد من اللي اشتغلوا صحافة من 1990 لـ 2010 كتب اللي شافه بـ جد، أعتقد هـ نكتب تاريخ جديد خالص لـ مصر، بس ربك بـ يستر برضه، والناس بـ تنسى.
إنما الكواليس المقصودة هنا هي العلاقات، وطبيعة تكوينها، وده الأهم والأعمق والأبقى.
ثالثا، المتعة، الكثير من المتعة، عارفين يعني إيه قريت الكتاب ده من سبع سنين، ولسه فاكر تفاصيل كتير منه، خصوصا قصة قميص نوم مديحة، حاجة يا أخي، تضحكك لـ حد ما تدمع.
رابعا، لغة سليمة وفصيحة ومنضبطة وسلسلة ورشيقة، صحيح كلاسيكية، شبه القصايد العمودي، بس مين قال إن الكتابة لازم تبقى فانكي وشعنونة وستايل علشان تبقى شيقة وممتعة، الكتاب مؤكد هـ تخلصه في طلعة واحدة، مع إنه نسبيا كبير.
إيييه يا عم حمدي
ربنا يجازيك
نتقابل بقى في كتاب جديد