(نقلا عن جريدة المقال)
“إن الشخصية المصرية تتميز بإمتلاكها أبعاداً حضارية وثقافية متميزة ومتفردة، ولكي نبني مصر المستقبل علينا أن نعيد صياغة وبناء الشخصية المصرية على أساس علمي ومعرفي، ولذلك فإن قضية التعليم والمعرفة تمثل لنا أمناً قومياً وتأتي على رأس أولويات الدولة المصرية، ولذلك فإننا بصدد تطوير المناهج الدراسية لكي تتماشى مع متطلبات العصر”.
كان هذا جزء من خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي ألقاه أمس السبت أمام البرلمان، وهي جزئية في غاية الأهمية، لأن الرئيس يكاد يكون للمرة الأولى يتحدث عن التعليم صراحة باعتباره قضية أمن قومي، وهي بالفعل كذلك ونتعجب من أن الرئيس والدولة تضع مشروعات أخرى في مقدمة أولوياتها في حين أن التعليم هو القضية الأولى والمشروع الأهم والأسرع في تحقيق نهضة أي أمة، ومهما بلغ نجاح أي مشروع آخر فإنه سيفشل ما دام التعليم متدهورا.
وكون الرئيس يقول إن التعليم قضية أمن قومي وفي الوقت نفسه يقول إن بصدد تطوير المناهج الدراسية، فإن ذلك يكشف عن وجود مشكلة إدراك لأهمية التعليم، فالأزمة ليست في المناهج فقط بل في المنظومة التعليمية بكامل أركانها والتي تدهورت بشكل بشع، كما أن إذا كان الرئيس بعد أكثر من عام ونصف لا يزال بصدد تطوير المناهج فمتى يحل بقية مشاكل المنظومة التعليمية؟
والأهم أن سبب كتابتي عن تلك الجزئية في خطاب الرئيس هو أن التعليم جزء منه سلوك وضرب للمثل، أي أن الرئيس حينما يكون قدوة لشعبه فإن ذلك من أهم العمليات التعليمية، تعليم السلوك الذي يحترم القانون وقواعد النظام، ومن ثم فحينما يلجأ من رتبوا حركة خط سير موكب الرئيس إلى البرلمان وهي الأجهزة الأمنية بلا شك إلى جعله يسير عكس الاتجاه في شارع قصر العيني فإن ذلك يعني أن الرئيس يضرب بكل ما يقوله عن التعليم وبناء الشخصية المصرية على أساس العلم والمعرفة عرض الحائط، لأن الطفل أو الشاب أو حتى كبار السن حينما يرون الرئيس يفعل عكس ما يطالب الشعب به فإنهم سيشعرون بعدم الجدية في ذلك.
والحقيقة إن هذه الواقعة التي لا تختلف كثير عن واقعة السجاد الأحمر دليل واضح وعملي على أن الأجهزة تجعل الرئيس يسير في الطريق الخاطيء وعكس الاتجاه بدعوى أن ذلك سيوصله أسرع إلى هدفه والنتيجة هي أن ذلك يبعده عن هدفه بل ويجعل الشعب يبعد عنه.
وقد يقول البعض إن هذا أمر بسيط ولا يجب الالتفات إليه أو التلكك به، والرد عليهم بان الرئيس قدوة لشعبه في الصغيرة قبل الكبيرة، فضلا عن أن مسألة سيره عكس الاتجاه غير مبررة لأن نفس الأجهزة التي جعلته يفعل ذلك أغلقت كل الطرق المؤدية لمجلس النواب وقت مرور الموكب ومن ثم فسيره في الطريق الطبيعي والقانوني لم يكن سيؤخره كثيرا، اما الادعاء بالاحتياطات الأمنية مردود عليه بأن نطاق مرور الموكب تحت سيطرة الأجهزة الأمنية منذ أيام وإذا لم تستطع الأجهزة تأمين الموكب فتلك كارثة لا تبرر أبدا سير الرئيس عكس الاتجاه.
اللافت أيضا أن الرئيس في خطابه بمجلس النواب لم يقدم جديدا مطلقا بل بدا الخطاب مكررا وتجميعا لكليشهات كررها في خطاباه منذ تولى الحكم، بل أنه حتى تجاهل حدثا مهما كان الجميع ينتظر منه التعليق عليه أو حتى الإشارة له ولم يكن أي عاقل يتصور أن يتجاهله الرئيس وكانه حدث لم يقع في مصر أو لم يحدث في الأساس وهو الوقفة الكبرى التي نظمها الأطباء بنقابته في اليوم السابق للخطاب احتجاجا على تجاوزات أمناء شرطة قسم المطرية ضد أطباء مستشفى المطرية والملابسات المرعبة التي احاطت بالواقعة.
وهذا دليل آخر على أن من هم حول الرئيس وكذلك تقارير الأجهزة الامنية يجعلونه يسير عكس الاتجاه، فهو بعد أن كان بدأ السير في الطريق الصحيح في مثل هذه الأحداث بتعليقه في خطابات سابقة على أي حدث يتعلق بغضب فئة من الشعب من تصرف معين وخاصة من تصرفات بعض رجال الشرطة فإنه تجاهل غضب فئة من أهم الفئات الحيوية في مسيرة البناء والتنمية وهم الأطباء من تجاوز الشرطة ضدهم، بل التجاهل جاء تحت قبة البرلمان الذي من المفترض أن يعبر عن نبض الشعب بكل فئاته.
وهنا نقول للرئيس إن تجاهل وقفة الأطباء لا يقلل منها ولن يبعدها على الأضواء كما صور لكم البعض بل سيزيد من غضبهم وكان يمكن أن تمتص هذا الغضب كما فعلت من قبل مع باعتذراركم للمحامين، بإيصالك رسالة لهم مفادها أنك تتابع ما حدث وأن المخطيء سينال عقابه.
أما ما استوقفني في خطاب الرئيس أيضا هو أنه وصف نواب البرلمان بأنهم ممثلين للشعب وجاءوا بانتخابات حرة نزيهة، بينما من الواضح أن رئيس مجلس النواب نفسه يتعامل مع نفسه باعتباره معينا من جانب الرئيس وممثل له وليس للشعب وقد ظهر هذا جليا من كل تصرفات رئيس المجلس خلال تواجد السيسي بالبرلمان وخلال كلمته التي وجهها ترحيبا به وكذك ظهر هذا الأمر من هتافات النواب الفجة وإظهارهم الانصياع الكامل والانسحاق أمام إرادة الرئيس وليس إرادة الشعب.