نقلًا عن جريدة “المقال”
الشعب الألماني معروف بالجدية الشديدة في الأفعال و الأقوال لكن الموقع الرسمي لنادي بايرن ميونخ خرج عن هذا الإطار عندما قام منذ ثلاث أسابيع ببث مقاطع فيديو كوميدية لعدد من أبرز نجومه الكرويين و هم يوجهون لجماهيرهم رسالة باللغة العربية تحتوي علي عبارة قصيرة كان نصها : (ورا مصنع الكراسي), بعدها جاء التعليق التفسيري من الأدمن : (يستوجب علينا أن نذكركم بين الحين و الأخر أين تجدوا منافسي البايرن!).
الموقع الرصين كان قد نشر في نوفمبر 2013 موضوعا تحليليا عن مبارة القمة بين البايرن و بروسيا دورتموند مصحوبا بنداء إلي كل أنصار الفريق البافاري حول العالم من أجل كتابة عبارات تشجيعية مؤيدة بمختلف اللغات , فجاءت الأستجابة الفورية من المواطن المصري عبد الحميد فودة الذي دون تويتة بالإنجليزية قال فيها : (الأهلي هياخدكم ورا مصنع الكراسي) في إشارة إلي ما سيفعله بطل أفريقيا في البايرن إذا ما ألتقيا خلال منافسات كأس العالم للأندية التي كانت ستقام بعدها بفترة وجيزة. الجملة المبهمة غير المفهومة للمسؤولين الألمان حظيت بعدد مهول من لايكات الإعجاب (10714) في غضون دقائق معددوة مما دفعهم لسؤال المشجع الأهلاوي عن المعني المقصود فتطوع مئات من المصريين المتابعين بالرد التفصيلي و الشرح التحليلي للجملة المبتكرة. عقب إنتهاء المواجهة بفوز كاسح لأصحاب الأرض تخلت الصفحة عن وقارها المعهود و كتبت بالبنط العريض : ( شكرا لتشجيعكم الرائع…فريقنا 3 دورتموند 0…ملحوظة:ورا مصنع الكراسي).
أسطورة هذا المصنع تستند إلي أحداث حقيقية وقعت أواخر الخمسينيات من القرن الماضي عندما قرر الزعيم الراحل جمال عبد الناصر إقامة كيان صناعي ضخم علي مساحة 50 فدان في المنطقة الكائنة بين الوراق و إمبابة علي النيل مباشرة من أجل إنتاج قطع الأثاث المحلي خصوصا كراسي الخشب و الخيرزان التي نالت شهرة كبيرة بالداخل و الخارج نتيجة تميزها بالمتانة و الجمال . بمرور الوقت تدهورت الأحوال و فشل المشروع الوطني الكبير بعد أن حقق خسائر مادية فادحة سببها سوء الإدارة فتم إيقاف التشغيل و تسريح 2300 عامل ليتحول المكان إلي أرض مهجورة لا يرتادها سوي اللصوص و متعاطي المخدرات و كل من يرغب في أرتكاب أعمال منافية للأداب العامة … من هنا ظهر مصطلح (ياخده ورا مصنع الكراسي) المتداول بكثافة داخل الأوساط الشعبية و الذي أنطلق مؤخرا نحو أفاق العالمية ليصبح ماركة مسجلة بأسم المصراوية.
هذه العبارة ذات المدلول الجنسي الواضح الفاضح صارت تتردد ببساطة داخل الأعمال الدرامية و تكتب بسهولة علي صدر الجرائد القومية دون مراعاة للذوق العام الذي أصبح في خبر كان….إليكم بعض الأمثلة:
1- خلال أحداث فيلم مرجان أحمد مرجان حاول البطل ( عادل إمام) إستكشاف المستوي الإجتماعي لزميله
المتزمت دينيا (أحمد السعدني) عن طريق السؤال التقليدي: أنت ساكن فين؟ فأجاب : في البصرواي.. ورا مصتع الكراسي.
2- أثناء أحد مشاهد فيلم لاتراجع و لا إستسلام- النسخة المصرية- طلب حزلئوم (الفنان أحمد مكي) من حبيبته جيرمين (الجميلة دنيا سمير غانم) أن تلتقي به علي إنفراد ورا مصنع الكراسي فردت بدلال : نخليها بعد الجواز.
3- الإعلامية داليا أبو عمر قدمت علي نجوم أف أم منذ ثلاث سنوات برنامج إذاعي نقدي ساخر تحت أسم : ورا مصنع الكراسي , كذلك أنتجت قناة نايل كوميدي الحكومية حلقات تحمل نفس العنوان عرض من خلالها ظاهرة الإشاعات التي تنتشر علي ألسنة الناس دون التأكد من صحتها.
4- جماعة (أنا أسف ياريس) أستخدمت ذات المصطلح من أجل التعبير عن أعجابها الشديد بخطبة الدفاع التي ألقاها محامي الرئيس المخلوع مبارك في أثناء نظر قضية قتل المتظاهرين : و في نهاية مرافعة اليوم يتضح للرأي العام أن الأستاذ فريد الديب هو صاحب مصنع الكراسي!.
5- منذ عدة سنوات خرجت علينا صحيفة الأخبار في ذكري نصر أكتوبر و هي تحمل مانشيت غريب أثار كثيرا من علامات التعجب و الأستهجان : ( المتحدث الرسمي بأسم الجيش الأسرائيلي يهذي : أنتصرنا في أكتوبر .. المصريون يردون: خدناكوا وراء مصنع الكراسي في 6 ساعات).
هل كان عبد الناصر يتخيل أن المصنع الذي جاهد كثيرا من أجل إنشائه سيتحول بمرور الزمن إلي خرابة تدعو للرثاء و السخرية بالداخل و الخارج ؟ هل حصل العمال علي تعويض مادي نظير طردهم دون ذنب جنوه؟ لماذا لا تستثمر الدولة هذه المساحة الشاسعة في تشييد صرح إقتصادي جديد يفيد الملايين بدلا من أن تتركها مرتعا للصوص و المجرمين؟.
واقعة غزو جماهيرنا الكروية لموقع بايرن ميونخ لم تكن الأولي من نوعها , بل سبقتها و تلتها هجمات مشابهة شنوها علي صفحات الأندية الأوروبية التي تعاقدت مع لاعبين مصريين …أبرز النمادج كانت:
— (محمد صلاح) : فور أعلان إنضمامه لصفوف شيلسي , أحتل المدونون الفراعنة صفحة الفيسبوك الخاصة بالنادي الأنجليزي و ملؤوها عن أخرها بتعليقات مكتوبة باللغة العربية من عينة : ( الواد خاسس كده ليه…أنتم مش بتأكلوه و لا إيه؟) , في حين هددت جماعة أولاد أبو صلاح بتفجير الصفحة إذا لم يتم إشراك نجمهم أساسيا في كل مباريات الموسم!.
— (شيكابالا ): عقب نجاح عملية’الولادة المتعثرة لصفقة أنتقال الفهد الأسمر إلي فريق سبورتنج لشبونة تحول الموقع الرسمي للنادي البرتغالي إلي فرح شعبي صاخب أحياه ولاد البلد المصريين بسيل جارف من التعليقات خفيفة الدم , كان أطرفها :(عشانك يا شيكا..بطلت أشجع بنفيكا).
— ( محمد النني) : نبأ توقيعه لفريق الأرسنال كان بمثابة أشارة البدء لأبناء النيل كي يحتلوا كل مواقع التواصل الأجتماعي التابعة للنادي الأنجليزي الذي أضطر تحت وطأة الهحوم الكاسح لنشر ترحيب باللهجة العامية المصرية كان نصه:(محمد النني بقي مدفعجي و نمرته علي المدفع 35!).