من زمان، مفيش رواية استفزتني، وحسيت إنها لازم تتحول لـ سيناريو فيلم، زي “تلال الأكاسيا”، اللي كتبها هشام الخشن.
الرواية فيها كل عناصر الاستسهال، اللي تخلي الكاتب يبعد عن السرد، ويغرق في مشاعر ومشاهد تستجلب الدموع من عيون القارئ، يعني إحنا بـ نتكلم عن شخصية أصيبت بـ الألزهايمر، فـ بتستجمع حياتها من “ذاكرة لعوب” على حد تعبيره.
لكن ده محصلش، اللي قريته رواية متماسكة، فيها كل عناصر الرواية كما أفهمها، من نحت دقيق لـ الشخصيات، وتفصيل متمكن لـ العلاقات، وخطوط درامية متماسكة، وده كان مفاجئ ومدهش ويدعو لـ السعادة.
أول ملحوظة في الرواية إنه مفيش ملايكة وشياطين، بطل الرواية له تاريخ طويل نجاح فيه كفاح، وفيه حس إنساني، وفيه سِنة انتهازية، على حبة قسوة، لكنه في النهاية “بني آدم” ضروري تتعاطف معاه. وضروري هـ تحط نفسك مكانه، وهـ تحب إنه ينجح، وإنه فـ الآخر ينول حبه، ويفلت من مصيره الصعب، اللي بـ يجهزهوله ابنه.
من الحاجات اللي بـ تدعو الكاتب كمان لـ الاستسهال هي الخلفية السياسية، لـ إننا قدام خط موازي لـ حياة البطل، بـ نشوف فيها تطورات السياسة في مصر، من بعد يوليو، وعلاقتها بـ الطبقة قبل “الثورة”، ثم انفتاح السادات، والدخول في عصر مبارك.
بـ نشوف النظام، ازاي بـ يحكم البلد، ازاي بـ يختار رجاله، الرجال دول بـ يكونوا علاقتهم ازاي بـ البلد، وبـ النظام اللي هم جزء منه، لكنهم مش هم اللي بـ يحركوه، وفي النهاية ازاي بـ يكونوا ثروات، وإيه حدودهم في كل ده.
مع ذلك، فيه تمكن في صياغة العلاقات وسردها، هي واضحة، لكنها مش هي اللي بـ تسوق، قدر ياخد منها اللي يفيد الحبكة الدرامية والقصة الإنسانية، من غير ما يقع في فخ الأعمال اللي من هذا النوع، اللي بـ تستسلم لـ عالم السياسة، فـ بتطلع في النهاية أشبه بـ تحقيق صحفي عن تطور العلاقات السياسية في مصر عبر التاريخ، ودي من المرات النادرة اللي ألاقي فيها عمل متوازن من الناحية دي، ومكتوب بـ الشعرة.
بـ نشوف كمان توظيف لـ أغنيات أم كلثوم، خصوصا “أنساك” و”هذه ليلتي” بـ وعي كامل لـ إن كلمات الأغاني دي مش مجرد كلمات حب اتغنت في زمن معين، وإنها تلخيص لـ فلسفات كاملة، اتكتبت في سطور شعرية بسيطة، ولكن كـ العادة، كان الخشن قادر على إنه ما يعملش زي الروايات، اللي تقعد تصدر كل فصل بـ اسم أغنية، وتفضل طول الوقت تقول لك: شوف أنا واخد بالي ازاي. شوف تفسيراتي العميقة لـ الأعمال.
ولـ إن الرواية بـ تدور حوالين شخصية مصابة بـ مرض مغري لـ الدراما، فـ كان ممكن بـ سهولة يغرقنا الكاتب بـ تفصيلات طبية، ويدخلنا في دهاليز المرض، ويحطنا في بحث علمي عن حالات الألزهايمر، زي ما كل الأعمال اللي بـ تتناول الأمراض دي بـ تعمل، ولـ المرة الـ مش عارف كام، بـ نلاقي الخشن قادر ياخد من ده، اللي يدخلنا في عالم البطل، ويستغنى بـ بساطة عن أي إغراءات لـ استعراض عضلات مش في محلها.
بـ اختصار إحنا قدام عمل ينتصر لـ “الحكاية”، الحكاية هي البطل، الحكاية هي الموضوع، الحكاية هي الحياة ذاتها، مصايرنا مرتبطة بـ ذاكرتنا، ومهما حصل لـ الذاكرة دي بـ تفضل تتحكم فينا، لـ إن الذاكرة مش مجرد “أحداث” حصلت، الذاكرة ليها نتاجات، ولاد، فلوس، علاقات، ناس آذيناهم، ناس آذونا، والنتاجات دي بـ تفضل موجودة، وبـ يبقى مستحيل الهروب منها، حتى لو نسيناها، بـ تفضل في مكان ما
ونرجع فـ الأخر ندندن مع أم كلثوم
“أنساك
ده كلام
أنساك
يا سلام
أهو ده اللي مش ممكن أبدا
ولا أفكر فيه”
الله يا ست
الله يا هشام