محمد سلطان محمود يكتب: ما يفعله الشباب بالموقع الأزرق

اكتسب موقع فيسبوك خلال السنوات الماضية قوة وأهمية كوسيلة للتواصل بين وسائل الإعلام ومتابعيها، وهو ما قد يستمر لبضعة سنوات مستقبلًا اعتمادًا على أسلوب تطوير الموقع المستمر من “مارك زوكربيرج” ورفاقه، وأيضًا اعتمادًا على سلوكيات مستخدمي الموقع.

أحد أهم أسباب اكتساب موقع فيسبوك صفة الإعلام البديل هو ما يحدث على شاشات القنوات من صراخ وضجيج بلا معنى، مجرد صخب يهدف منه مقدمو البرامج إلى جذب المشاهدين لمشاهدة مقدم البرنامج و هو يهدد ويتوعد فيما يشبه صراع “دون كيشوت” مع الطواحين.

في أسبوع واحد من تصفحي لموقع فيسبوك شاهدت عدداً من المواقف الغريبة ضمن منشورات على بعض صفحاته، وهو ما دفعني إلى التفكير في سلوكيات مستخدمي الموقع الأزرق في الفترة الحالية، بخاصة الجيل الذي كان في مرحلة الطفولة منذ 5 سنوات وفجأة وجد نفسه أمام ثورة وجدل سياسي لا ينتهي، فقضى مرحلة مراهقته منذ بدايتها يتواصل ويستقي معلوماته وسط “مولد وصاحبه غايب” على فيسبوك.

كما كان لحالة الصخب التي لا تتوقف على شاشات التليفزيون دور في اللجوء إلى الإعلام البديل، وكان لها دور آخر في ظهور شريحة جديدة من مستخدمي الموقع المزعجين، يتحركون في جماعات كأسراب للجراد فوق حقل زراعى، على استعداد لفعل أي شيء من أجل الحصول على أكبر عدد من الـ لايك على التعليقات التي يقومون بكتابتها على منشورات الصفحات دون النظر إلى أخلاقية أو ملاءمة التعليق للمنشور.

في إحدى الصفحات المتخصصة بنشر صور الأشخاص المفقودين تم نشر صورة لإحدى الفتيات في الثانية والعشرين من عمرها، ومفقودة دون أثر بعد أداءها لأحد إمتحاناتها الجامعية.

وبينما تنوعت التعليقات بين أشخاص يقومون بالدعاء بعودتها لأحضان أسرتها، وأصدقاء لها يعبرون عن قلقهم من اختفاء صديقتهم التي وصفوها بأطيب الصفات، ظهر تعليق لإحدى الفتيات بدأته بجملة “مع كامل إحترامي للفتاة” ثم اقترحت فكرة أن تكون الفتاة المختفية على علاقة بأحد الأشخاص وقامت بالهروب معه ليتزوجها.

حاول بعض المعلقين تنبيهها لفداحة ما قالت وخوضها في سمعة وعرض الفتاة، فما كان منها إلا اتهامهم بالجهل وضيق التفكير، مؤكدة أن هؤلاء الحمقي يجب أن يتمنوا معها أن تكون الفتاة هاربة بدلًا من أن تكون مخطوفة أو أصابها مكروه. وبعدما انتفض أصدقاء الفتاة غضبًا وقاموا بتوبيخها على إهانتهم لصديقتهم، تراجعت لتؤكد أن صديقتهم تبدو بالفعل طيبة الأخلاق، لكنها ساذجة ويستطيع أي شخص إقناعها بالهرب (كل تلك الصفات استقتها من مجرد صورة منشورة)، وبعد نقاش متكرر مع أصدقاء الفتاة المستائين قررت أن تنهي النقاش معهم لأنهم أشخاص غير متقبلين للأفكار، مؤكدة أنها كانت تحاول التفكير بصوت عالى لإرشادهم إلى الطريق الصحيح. بينما تفرغ مجموعة من الشباب للتعليق على صورة لفتاة أخرى مفقودة في الثامنة عشر من عمرها، وانحسرت تعليقاتهم في كتابة جمل تحرش بالفتاة وإعلان أن الفتاة “تستحق” الإختطاف نظرًا لجمالها.

سرب أخر من المعلقين يطاردون جميع منشورات صفحات الأندية الأجنبية التي يلعب لها لاعبون مصريون، صفحات أرسنال وروما ومن قبلهما صفحات تشيلسي و فيورنتينا واجهوا موجة من التعليقات التي لا معنى لها سوى تدمير الصفحة، مشجعو الأندية من الدول الأخري أصبحوا على دراية بما يمكن لأسراب المعلقين فعله لو أبدوا اعتراضهم على كثرة التعليقات باللغة العربية، والتي لا تخرج عن إطار “طلّع فلان و نزل صلاح” و “النني لازم ياكل كويس” و عبارات سباب باللغة العربية و بجوارها جملة “نحب النادى” بالإنجليزية.

الفئة الأكثر إثارة للخوف في نفسي هي فئة الأشخاص المصابين بالخلل الذين ينتشرون في صفحات المواقع الإخبارية لكتابة أى تعليقٍ معادٍ للحياة على كوكب الأرض، فمثلًا عندما تقوم الصفحة بنشر خبر فني يقوم سرب المعلقين بكتابة تعليقات تحمل العديد من عبارات السباب للفن والفنانين، ولو كان الخبر رياضياً لكانت التعليقات كلها عبارات غاضبة عن هؤلاء الصبية أنصاف المتعلمين الذين يحصلون على الملايين في الموسم الواحد بينما خريج كلية العلوم قسم فيزياء لا يجد فرصة عمل تناسب شهادته. أو صاحب التعليق الأكثر تداولًا في صفحات المواقع الإخبارية، ذلك الذي يهاجم فكرة نشر أى خبر عن أى قضية غير تلك القضية التي تشغل فكره، تعليقات من نوعية “انتوا بتتكلموا عن الأهلى والزمالك وفي ناس بتموت في فلسطين وبورما؟”، بينما لو قمت بزيارة حساب ذلك الشخص لن تجد أي صورة أو منشور يؤكد دعمه للقضية، هو فقط يدعمها بحثًا عن اللايكات، التي لا أفهم حتى الآن ما هي الفائدة الضرورية من حصول تعليق أحد الأشخاص عليها.

بخلاف ما سبق من سلوكيات فئة لا يستهان بها من مستخدمي الموقع، يوجد جانب آخر يؤثر على إتجاه العديد من الصفحات، وهم القائمون على إدارة تلك الصفحات.

قد يرى البعض أن القائمين على إدارة صفحات الفيسبوك الشهيرة مجرد مجموعة من الشباب الذى يعاني من الفراغ فيقوم بإضاعة وقته في إنشاء صفحات بأسامي مشاهير الفن و الرياضة، أو صفحات لمشجعي أحد الأندية أو صفحات لنشر الصور المضحكة، ولكن تلك النظرة خاطئة.

منذ حوالى شهرين انتشرت إعلانات مدفوعة على فيسبوك خرجت من صفحات رسمية لعدد من الفنانين للدعاية لفيديو كليب إحدى الأغنيات، مصحوبة بتعليق منسوب للفنان صاحب الصفحة عن مدى روعة الموسيقى و الأغنية، وهو ما أثأر التساؤل حول جدوى قيام كل هؤلاء الفنانين بدفع النقود لنشر إعلان لأغنية لفنان مغمور.

الحقيقة أن تلك الإعلانات المدفوعة تمت دون علم الفنانين، لكنها كانت صفقة للقائمين على إدارة صفحاتهم، تلك الصفحات تعتبر مشروعاً تجارياً مربحاً للقائمين على إدارتها نظرًا لكثافة المتفاعلين معها، وهو ما يجذب بعض المواقع لنشر إعلانات لها عبر تلك الصفحات مقابل مبلغ مالي يتراوح قيمته بمدى وصول الصفحة لأكبر عدد من مستخدمي فيسبوك. آلاف الجنيهات يجنيها القائمون على صفحة تحمل اسم لاعب أو فنان مقابل نشره لروابط أخبار من موقع ما دون غيره، المواقع تستفيد جيدًا من آلاف الزيارات التي تأتيها نظرًا لدفعها للمبالغ المالية لتلك الصفحات.

لماذا نستعرض كل ذلك؟

لأن ما يفعله مستخدمو فيسبوك داخل الموقع أصبح لا يختلف كثيرًا عن ما يحدث على شاشات التليفزيون، وهو ما يؤثر على فاعلية مواقع التواصل الإجتماعي كوسيلة للإعلام البديل الذي لا يميل إلى نشر الخبر كما حدث دون إنتماءات.

حالة الفوضي المنظمة التي يحدثها أصحاب التعليقات في كل الصفحات التي تضم متابعين بالملايين تأتي بنتائج أكثر جدوى من اللجان الإلكترونية التي فشلت في خلق رأى عام يدعم القضايا التي تأسست من أجلها تلك اللجان.

القائمون على إدارة موقع فيسبوك أصبحوا يعون جيدًا ما يحدث في بيزنس الصفحات، وبحسب ما نُشر، تنوى الشركة خلال عام 2016 بدء خطة لتغيير شكل المحتوى الذي يتلقاه مستخدمو الموقع وتفعيل دور تجاري صريح للشركات والأشخاص أصحاب الصفحات الرسمية، قد يتغير الموقع بالفعل مثلما تغير خلال الإثنتى عشرة عام الماضية، لكن بالتأكيد سيصعب على القائمين على إدارة الموقع الأزرق السيطرة على سلوكيات مستخدميه، وربما يكون إلغاء خاصية الإعجاب بالتعليقات هو بداية الطريق لنجاة مواقع التواصل الإجتماعى من الغرق.

اقرأ أيضًا:

5 أسباب تفسر النجاح السريع لنهار جديد

النهار وريهام سعيد ..شهور الفرص الضائعة

20 ألف جنيه وراء اعتزال تامر عبد المنعم

ماذا فعلت الميديا في أزمة الدرب الأحمر؟

يوتيوب يغلق حسابات القنوات في هذه الحالات‎‎

لماذا لم تنظم جنازة عسكرية لهيكل؟

75 صورة لمحمد حسنين هيكل ترصد تاريخ العرب

.

تابعونا علي الفيس بوك من هنا

تابعونا علي تويتر من هنا