تونس أشعلت ثورة الربيع العربى، وتونس أيضا حصدت، لأول مرة، فى مهرجان برلين جائزة أحسن ممثل (الدب الفضى) لمجد مستورة عن (نحبك هادى). سبق للسينما العربية أن حصلت على الدب الفضى للمخرج يوسف شاهين 1979 (إسكندرية ليه).. ولكننا ظللنا بعيدين حتى عن المشاركة فى التسابق الرسمى على مدى عشرين عاما.
تونس تستحق التحية مرتين، أولاً لأننا تواجدنا رسمياً، والثانى أننا لم نكتف بالتمثيل المشرف، بل كان نصيبنا جائزة مستحقة عن جدارة، رغم صعوبة المنافسة.
جيلنا يعرف معنى الفرحة العربية، حيث تتجاوز حدودك الإقليمية لتشعر بأن نجاح أو اقتناص فنان عربى جائزة هو نجاح لك، وأن ومضة السعادة وصلت إليك. هكذا، مثلًا، كنا نشجع الفريق الكروى العربى فى كأس العالم، عوضا عن الفريق المصرى إذا لم يكمل المسيرة، وكل انتصار له نشاطره تبعاته، كما أن الهزيمة لنا فيها نصيب، انسَ تماماً الشرخ الذى صنعه حسنى مبارك وعائلته عندما زرعوا فى القلوب بنظرة قاصرة كراهية الفريق الجزائرى، فصار هناك من ينتظر هزيمته، وكأنه ثأر لهزيمتنا، رغم أنها تعنى فى حقيقتها هزيمة مضاعفة. وهكذا كان الجميع سعداء بجائزة (مستورة) المستحقة، وأغلب الجوائز لم تخرج عن المتوقع.
الأسبوع الماضى، كتبت فى هذه المساحة أن فيلم (نار فى البحر) للإيطالى جيان فرانكو روزى سيحصل على (الدب الذهبى)، نعم شعار المهرجان هذه الدورة مناصرة اللاجئين والمشردين بحس إنسانى راقٍ، وهكذا مثلا التقت المستشارة أنجبلا ميركل بجورج كلونى، سفير النوايا الحسنة لشؤون اللاجئين، والذى كان عنوان المهرجان هذه الدورة بفيلمه (يحيا القيصر) الذى افتتح به الدورة، إنه مزج دقيق بين السياسى والثقافى ولكن علينا الحذر، فلا مجال للخلط.
المهرجان المتهم دوما بأنه يحقق، من خلال الأفلام، رسالة سياسية- لا أعتقد، بالمناسبة، أن هناك توجها تتبعه لجان التحكيم، من أجل تنفيذ إرادة منظمى المهرجان، فهل يتصور أحد مثلا أنهم اختاروا النجمة الاستثنائية ميريل ستريب لتنفيذ هذا المخطط، من الممكن أن أتفهم مثلا أن المهرجان هذه الدورة يساند اللائجين والمهاجرين، وعلى هذا الأساس، فيتم اختيار بين الفعاليات أفلام تحمل هذا التوجه وتلك الرؤية أو أنه يقدم قسطا وافرا للسينما العربية، ولأول مرة نقرأ فى (لوجو) المهرجان اعترافا باللغة العربية، حيث تُكتب كلمة «المهرجان يقدم» بلغات سبعة، بينها العربية، وهى حفاوة لم يفعلها أى مهرجان عالمى كبير آخر.
كانت اللغة العربية واحدة من اللغات الرئيسة فى الأفلام المعروضة، حتى إن لإسرائيل فيلمين ناطقين بالعربية- أقصد اللهجة الفلسطينية بالطبع.
كانت المجلات العالمية المصاحبة للمهرجان تمنح الفيلم الإيطالى (نار فى البحر) تقديرات وضعته فى المرتبة الأولى، فهل المجلات العالمية حريصة على تنفيذ سياسة المهرجان التى من الممكن أن تجد فيها ظلاً لتوجه الدولة، أم هو رهان أولاً على الجمال الفنى الذى يتوج الرؤية الفكرية؟ لكنه أبدا لا يُصبح بديلا عنها.
(نار فى البحر) حصل على الجائزة لأنه نقل- ليس فقط بكل دقة- ما يجرى، لأنه من الممكن أن يأتى من هو أكثر دقة، ولكنه التقط بإحساس سينمائى ما يجرى فى (لمبيدوسا) تلك الجزيرة التى هى المقصد الأول لمن يحلمون من أفريقيا بالحلم الأوروبى، حيث تلتهم أكثر من 70% منهم أسماك أعماق البحار، قبل أن يصلوا لما يعتقدون أنه الجنة الموعودة.
لدينا عشرات، بل مئات من الأفلام الروائية والتسجيلية التى قدمت هذه الأحلام التى أحالت البحر إلى نار تحرق، بينما المخرج الإيطالى مزج برهافة رؤية درامية مقننة لا تجرح أبدا الإحساس التسجيلى والذى يشكل بناء الفيلم، فهو ينسجها داخل السيناريو، حيث كان ينبغى أن نعيش تفاصيل هذه الجزيرة بعيون طفل وصديقه يتخيلان مواقف مشابهة، وهما بعيون الطفل يوجهان ضربات (النبلة) إليها، ويصعد فى الفيلم بالتوازى الإحساس بالمسؤولية عن الآخر، نجد فى اللقطات الدرامية أنها تُشبه دور المعلق بالصورة على علاقة أهل تلك الجزيرة بهؤلاء المهاجرين، وهم، فى العادة، يأتون من الجنوب إلى الحدود الليبية على شاطئ المتوسط، ونكتشف أن الطبقية تسود وتفرض قانونها على الجميع، حيث لدينا ثلاث طبقات، كلما ارتفعت لأعلى، زاد السعر، ولكن تعددت الطوابق، والموت فى النهاية واحد!
وتبقى فرحتنا الكُبرى بالفيلم التونسى الذى قدمه محمد بن عطية فى أول تجربة روائية له، وهو يضع ثورة الياسمين فى الخلفية، الثورة لم تصل بعد لشاطئ الأمان، حيث ارتبطت بأحلام، بل شطآن، ولكن بعد إبعاد الطغاة اصدمت فى كل الدول العربية بمحددات على أرض الواقع، وبمعادلات تريد العودة لما قبل الثورة، بل تحيلها إلى مؤامرة، يبدو المخرج التونسى وكأنه يقدم قطعة من الحياة فى طريقة السرد الدرامى، والتعبير السينمائى، الفيلم يبدو دفقة واحدة، وهناك هارمونية ضبطها المخرج فى توجيه ممثليه، وهى ألا يمثلوا، وهكذا جاءت الجائزة لمجد مستورة عن جدارة، وتعنينا كعرب، نعم، الفرحة تخصنى، وتخصك، وتسعد كل عربى.
«خارج النص»:
■ الفيلم الفلبينى (تعويذة اللغز الحزين) 8 ساعات ودقيقتان، شاهدناه على دفعتين، بينهما ساعة استراحة، لالتقاط الأنفاس- حصل على جائزة أفضل فيلم يحمل وجهات نظر جديدة، بالمناسبة ليس الطول هو وجهة النظر الجديدة، لأن فى التاريخ السينمائى أفلاما تعدت 14 ساعة، فلا مجال لتفوق رقمى هنا، ولكن لأن المخرج لاف دياز قدم رؤية سينمائية عميقة، كانت تستحق هذا الزمن، قد يرى البعض أن هذا الزمن يليق بالتليفزيون، إلا أن ما شاهدناه هو سينما، ولا أتصور أن هذا الفيلم من الممكن أن تتجاهله مهرجاناتنا العربية لتضعه فى يوم كامل، فهل تتحمل، عزيزى القارئ، 8 ساعات ودقيقتين بالتمام والكمال.
■ الناقد الكبير يوسف شريف رزق الله أهم إعلامى فى تاريخنا، لعب دورا تنويريا فى نشر الثقافة السينمائية العالمية، واكب يوسف بدايات التليفزيون المصرى من خلال برنامجى (نادى السينما) تقديم درية شرف الدين و(الأوسكار) تقديم سناء منصور، كما كان، ولا يزال يقدم إطلالة فى أكثر من قناة عن السينما العالمية، برغم أنه لم يكن فى كامل لياقته الصحية، إلا أنه حرص على أن يقف بجوار التليفزيون المصرى، ويقدم حفل افتتاح برلين مع جاسمين طه زكى وإخراج مهاب زنون، ولظرف صحى طارئ لم يستطع تقديم الختام، ولكنه تماثل للشفاء ويعود اليوم سالما معافى إلى مصر.
يوسف يعيش الفيلم بكل تفاصيله، كان يشاهد بجوارى قبل أيام هو والسيدة زوجته ميرفت الإبيارى فيلم (عبقرى)، وفى المشهد الأخير بعد رحيل البطل، ارتفع صوت بكائه تأثرا، هذا هو يوسف شريف رزق الله عاشق السينما حتى الثمالة.. ألف سلامة.
■ أنغام وأصالة فى حفل واحد، وقبلهما منير ودياب فى أغنية مشتركة، تغيرت قواعد اللعب تماما، لم يعد هذا التناحر الأهوج بين القمم التى تتواجد فى نفس التوقيت، أم كلثوم وعبدالوهاب أو عبدالحليم وفريد أو وردة وفايزة، هناك قانون جديد تغيرت فيه الدنيا مع تعدد الفضائيات، لم يعد عنوان الصراع هو أنا أم أنت، ولكن أصبح من الممكن أن ننجح أنا وأنت (عدوك ابن كارك) لم تعد صالحة لهذا الزمن، ولكن تقول لمين؟!
■ نعم هناك غضب عام أراد البعض أن يستثمره، ولكن هذا لا ينفى أن وزارة الداخلية تحتاج قبل معاقبة المخطئ إلى تغيير المنهج، الشرطة لا تزال تسير على خطى حبيب العادلى (الشرطة فوق الشعب)، هل يتذكرون وزير الداخلية الذى أحبه المصريون أحمد رشدى، ومبدؤه (الشرطة فى خدمة الشعب)!
■ معركة مرتقبة بين الشيوخ، لو لم يتم حسمها، ستشغل مقدمة الكادر. الشيخ خالد الجندى يتهكم غمزاً ولمزاً فى أحد برامجه على الشيخ على جمعة دون أن يذكر اسمه، لا أتصور سوى أن هذا هو الفصل الأول من الحكاية، إلا إذا!
■ محمد سعد صار عاشقا، بل مدمنا للفشل، من فيلم إلى مسلسل، إلى برنامج.. ولا يزال العرض والفشل مستمرين.. الغريب فى الأمر ليس الهزيمة التى تنال دائما من سعد، ولكن اللغز أن هناك من يدفع مقابلًا ماديًّا بالملايين!.. هل لديكم حل للغز؟!
نقلًا عن جريدة “المصري اليوم”