هند كرم تكتب : "هل الانحياز للوطن وحده جريمة؟!"

لست أدري هل من الجائز ” إنسانيا ” أن نقف في تلك المنطقة الرمادية الصمّاء بين قائمة الالوان المتدرجة دون مزايدات ؟ هل من الممكن الانتماء للمنتصف الحر المستقل بعيدا عن تصنيفات أو إملاءات أو ولاءات حادة تتطرف بنا الى أقصى اليمن أو اقصى اليسار دون تخوين ؟؟

للأسف أن جوهر أزماتنا وعلى رأسها السياسية سببها ذلك التصنيف الحاد ( أنت مع او ضد ) ، ( مؤيد أو معارض) ، ( نعم أو لا ) ..

مهلا ، فالحياة لاتصطبغ فقط باللونين الابيض والاسود القاطعين ، ولكن ثمة تدرجات لونية أخرى بينهما قد تكون أكثر ارتكازا وحكمة وثباتاً وأحيانا أكثر حسما ً..

لقد توقفت كثيرا عند خطاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الاسبوع الماضي خلال تدشينه الرؤية الاستراتيجية لمصر 2030 – وهالني كما هال كثيرين لغة الخطاب والخطابات الاخرى المتفرعة منه ، وتباين انفعالات الرئيس الى جانب مستوى اداء السادة الوزراء والمسؤولين المعنيين اثناء تقديمهم خططهم للاربعة عشرعاما المقبلة من المستقبل المنتظر لمصر !!

ولو تركنا فحوى الخطاب جانبا وتوقفنا في هذا المقال عند مسألة أخرى وهي لغة الخطاب ومدى تأثيره على الجمهور ، فيجب علينا الانتباه الى عدة ملاحظات بعد الاجابة على بعض التساؤلات المشروعة …

أولا : من هم الذين خاطبهم الرئيس السيسي ذلك اليوم في خطابه “الاطول” منذ توليه الرئاسة ؟ هل يمكن الجزم بان سيادته كان يخاطب “عامة الشعب” المصري عندما كان يقول لهم ” يامصريين ” في احتفال كان يذاع مباشرة عبر القنوات الفضائية ؟ أم انه من الممكن الاستنتاج بأنه كان يخاطب الحضور في قاعة مسرح الجلاء من كبار المسؤولين والمدعوين والمتخصصين والعلماء في الدولة ؟؟ كيف نفسر تساؤل الرئيس مندهشا في معرض خطابه   ” انتوا مين ” ؟؟!!!

ثانيا : لماذا يُصِّر السيد الرئيس في كل خطاب أن يعرضُ اللهَ لأيمانه ويقسم بعزته وجلاله لفرض صدقية قوله في حديثٍ يُفترض ان المواطن يسلم بمصداقيته سلفاً لسبب بسيط هو انه   ” لايصح اصلا أن يخرج الرئيس بعد ثورتين وفوز ساحق في الانتخابات الرئاسية ليقول كلاما مشكوكا فيه أو قد لايحتمل الصدق …!

ثالثا : هل يؤمن الرئيس بالفعل بطاقات المصريين في العمل والانتاج ويراهن على تلك الثروة البشرية الهائلة في البناء والتطوير والنهضة المستقبلية لمصر المتعثرة اقتصاديا وسياحيا وسياسيا واخلاقيا ووو ؟ أم انه يراهن على المصريين كثروة بشرية عددية ؟؟

رابعا : هل كل مايدور في خُلج الرئيس ويدور في صدره ويشعل قلبه ويثير شجونه وحفيظته يجب بالضرورة أن يـُترجم أويُنطق على الملأ …. وأقصد العبارتين الاشهر والاكثر تداولا في الخطاب على مدار الايام الماضية ” لو ينفع أتباع علشان البلد دي ماتقعش هاتباع “”،، واسمعوا كلامي انا بس!!!

ياسيادة الرئيس من تخاطب؟!
هناتكمن أهمية التفريق بين الخطابات الجماهيرية للأمة والخطابات الموجه للنخبة وهذا الخلط في لغة الخطاب مسؤول عنها

اولا المستشارون المعنيون بكتابة الخطابات ومن ثم تعمد الرئيس الخروج عن النص والارتجال الذي يقلب الموازين ويذبذب المتلقي في استقباله للرسائل المرجوة… فتارة تعليقات ضاحكة مازحة ورقيقة وفي اللحظة التي تليها مباشرة انفعال غاضب ونبرة حادة متوعدة ومنددة!!

اذا كنت تخاطب المصريين عامة فالخطاب الجماهيري بات لمؤيديك قبل معارضيك لاجديد فيه…
واذا كنت تخاطب النخبة فالنخبة الحاضرة كانت تصفق لك عندما عرضت ان تبيع نفسك فداء لمصر بدلا من ان يصمتوا من غرابة التعبير ويتوقفوا امامه مليا…

المصريون لايشككون في صدقك واخلاصك ووطنيتك ونزاهتك حتى تذكرهم في كل خطاب ومناسبة بذلك!!
المصريون اصبحوا يدركون سلفا الخطوط العريضة الرئيسية التي لايخلو منها اي خطاب ايا كانت المناسبة وهذا ليس تنبؤا منهم بقدر تعايشهم معك وتأكيدا على ان رسائلك تصلهم تماما…

المصريون ايضا باتوا في حيرة من امرهم لماذا يجب ان يشعروا طيلة الوقت بانهم عليهم الاختيار بين ان يكونوا مواطنين مخلصين او عملاء وخونة؟!

نعلم جميعا بحجم المؤامرات الخارجية على مصر ولكن مؤامرات الداخل اكثر ايلاما ووطأة، استمرار عمل النخبة المحيطة بسيادتكم بنفس الوتيرة لن يحقق اهدافكم تجاه هذا البلد… ولقد قلتها بنفسك في ذات الاحتفال ” لو كنتوا سمعتوا كلامي

وبدأتوا في وحدات الشباب في دمياط من سنة ونص كان زمان الشباب استلموا وحداتهم دلوقت “!!!!!!

ومرة اخرى،، من تخاطب ياسيادة الرئيس؟؟؟!!!

هل تقصد احراج الوزراء والمسؤولين امام الشعب حتى يتحملوا المسؤولية معك في محاسبتهم؟! ولكن كيف سيحاسبوهم بعد عام ونصف من عدم المتابعة معهم من الحكومة نفسها ؟! المسؤولية في عدم الانصياع للاوامر ايضا مشتركة!

هل ماعنيته بهذا العتاب الغاضب ان هناك من يتعمد عدم تنفيذ اوامرك والمضي في خطة التطوير والبناء والاصلاح؟! لماذا لم تتم المتابعة والمحاسبة منذ ان وجهت ببناء الوحدات إذن؟!

وهنا استعيد من جديد روح الخطاب ذا اللغة التي حفظها الشعب وبات يرددها وهي انك تتحمل مسؤولية الدولة وحدك وتعمل وحدك…

لا أرى حرجا وبدا من الاستعانة ضمن فريق المستشارين بالرئاسة بخبير في لغة الجسد وسيكولوجية الجمهور المستهدف من الخطابات الرئاسية واختيار العبارات التي تتطلبها كل مرحلة ومناسبة ودراسة احتمالات تأثيرها ووقعها على الجمهور المستهدف….

فالرأي العام بعد هذا الخطاب انقسم الى فريقين: الاول مؤيد تماما وبشكل مطلق لكل ماجاء فيه مبديا تعاطفه مع لغة الخطاب ولايقبل اي نقد او جدل حوله….

وفريق اخر صامت، لانه يشعر ان النقاش او ابداء الرأي سيعتبر تخاذلا وتآمرا لاسقاط الدولة!

اما المنتقدون لاجل المعارضة المطلقة دون وعي فلا اعنيهم هنا لانه حتى الان لايوجد لدينا معارضة حقيقية تثري المناخ

السياسي، معارضة تشارك في البناء وليس في اشعال فتيل الدمار، معارضة وطنية وليس معارضة مأجورة..

مايحدث الان اما الانحياز للرئيس او الوقوف ضده….

ونحن في حاجة لكي ننحاز للوطن فقط في مساحة حرة لاتنتمي الا اليه لا ان ننتمي لاشخاص.
فهل الانحياز للوطن وحده جريمة؟!

الصفحة الرسمية للصحفية والكاتبة هند كرم من هنــا

اقرأ أيضًا:

هند كرم تكتب : متى تنتهي فقرة البهلوان في البرلمان؟!

هند كرم تكتب : “عصير الإنتخابات” على “الحدث” ماسخ وبه سمُ قاتل‎

.

تابعونا علي الفيس بوك من هنا

تابعونا علي تويتر من هنا